الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }

المعنى:

أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لا يقبل التوبة من الذي يعمل المعاصي حتى إذا حضره الموت قال: إني تبت الآن، وأجمع أهل التأويل على أن الآية تناولت عصاة أهل الصلاة، إلا ما حكي عن الربيع أنه قال: إنها في المنافقين، وهذا غلط لأن المنافقين كفار، وقد بين الله الكفار بقوله: { ولا الذين يموتون وهم كفار } وقال الربيع أيضاً: إن الآية منسوخة بقوله:إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } وهذا خطأ لأن النسخ لا يدخل في الخبر الذي يجري هذا المجرى، ومن جوز العفو بلا توبة يمكنه أن يقول: إن التوبة التي وعد الله باسقاط العقاب عندها قطعا متى حصلت في هذا الوقت لا يسقط العقاب، ولا يمنع ذلك من أن يتفضل الله باسقاط العقاب ابتداء بلا توبة، كما لو خرج من دار الدنيا من غير توبة أصلا، لم يمنع ذلك من جواز العفو عنه، فليس في الآية ما ينافي القول بجواز العفو من غير توبة. وقال جميع المفسرين، كابن عباس، وابن عمر، وابراهيم، وابن زيد، وغيرهم: إن الذين يحتضرون لا تقبل لهم توبة، غير إن الذين يحضرون الميت لا يعرفون تلك الحال معرفة يمكن بها الاشارة إليها. فان قيل: فلم لم تقبل التوبة في الآخرة؟ قيل: لرفع التكليف، وحصول الالجاء إلى فعل الحسن دون القبيح، والملجأ لا يستحق بفعله ثواباً ولا عقاباً، لأنه يجري مجرى الاضطرار. وحكي الرماني عن قوم أنهم قالوا بتكليف أهل الآخرة، وان التوبة إنما لم يجب قبولها، لأن صاحبها هناك في مثل حال المتعوذ بها، لا المخلص فيها، وهذا خطأ، لأن الله تعالى يعلم أسرارهم كما يعلم إعلانهم. وقوله: { أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً } معناه أعددنا، وقال قوم: التاء بدل من الدال، وقال آخرون هو أفعلنا من العتاد، ومعناه اعددنا، وعتاد الرجل: عدته، وهو الأصل. والشيء العتيد هو المعد، والعتيدة: طبلة معدة للطيب، ومعنى إعداد العذاب لهم، إنما هو بخلق النار التي هي مصيرهم. والاليم بمعنى المؤلم. وليس في الآية ما يمنع من جواز العفو عن مرتكبي الكبائر بلا توبة، لأن قوله: { أولئك } يحتمل أن يكون راجعاً إلى الكفار لأنه جرى ذكر الكفار وهم أقرب إلى أولئك من ذكر الفساق، ويحتمل أن يكون التقدير: أعتدنا لهم عذاباً، إن لم نشأ العفو عنهم، وتكون الفائدة فيه إعلامهم ما يستحقونه من العذاب، وألا يأمنوا أن يفعل بهم ذلك، وإن كان تعالى يعلم هل يعفو أو لا يعفو.