الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً }

[الاعراب والمعنى]:

يحتمل نصب { ورسلاً } امرين:

احدهما - على قول الفراء - انا اوحينا اليك كما اوحينا الى نوح، والى رسل قد قصصناهم عليك، ورسل لم نقصصهم عليك. فلما حذف الى نصب رسلا. وقال الزجاج: تقديره انه لما قال: { إنا أوحينا } كان معناه ارسلناك رسولا عطف على ذلك، فقال: ورسلا. وتقديره وارسلنا رسلا، فعطف الرسل على معنى الاسماء قبلها في الاعراب كما قال الشاعر:
أوحيت بالخبز له ميسرا   والبيض مطبوخاً معاً والسكرا
لم يرضه ذلك حتى يشكرا   
والوجه الثاني - أن يكون نصباً بفعل يفسره ما بعده، ويتلوه، وهو اختيار الزجاج. وتقديره وقصصنا عليك رسلا قد قصصناهم عليك، كما قال: { والظالمين أعد لهم } والتقدير واعد للظالمين اعد لهم عذاباً اليما.

وقرأ ابي ورسل - بالرفع - لما كان في الفعل عائد اليهم، وهو قوله: { وقد قصصناهم عليك } وقوله:

{ وكلم الله موسى تكليماً } نصب تكليما على المصدر وفائدة وكلم الله موسى بلا واسطة خصوصاً من بين سائر الانبياء كلمهم الله بواسطة الوحي وقيل: إنما قال ذلك، ليعلم، ان كلام الله من جنس هذا المعقول الذي يشقق من التكلم على خلاف ما يقول المبطلون. وقيل انما اتى بالمصدر تاكيداً. وقيل: انما أراد بذلك تعظيم كلامه، كانه قال: كلم الله موسى تكليما شريفا كما قال: { فغشيهم من اليمّ ما غشيهم } يريد بذلك تعظيم ما غشيهم من الاهوال

فاما قول من قال: ان الله كلم موسى باللغات كلها التي لم يفهمها. فلما كان آخر شيء كلمه بكلام فهمه، فان ذلك لا يجوز عليه تعالى، لان خطاب من لا يفهم خطابه عبث يجري مجرى قبح خطاب العربي بالزنجية، والله (يتعالى عن ذلك) قال البلخي: وفي الآية دلالة على أن كلام الله محدث من حيث انه كلم موسى خاصة دون غيره من الانبياء، وكلمه في وقت دون وقت، ولو كان الكلام قديماً ومن صفات ذاته لم يكن في ذلك اختصاص ومن فصل بين الكليم والتكلم، فقد ابعد لان المتكلم لغيره لا يكون الا متكلما، وإن كان يجوز ان يكون متكلما وان لم يكن مكلما فالمتكلم يجمع الامرين.