الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً }

[القراءة والحجة]:

قرأ حمزة وخلف { زبوراً } بضم الزاي. الباقون بفتحها حيث وقعت من ضم الزاي احتمل ذلك وجهين: احدهما أن يكون جمع زبر، فاوقع على المزبور الزبر. كما قيل: ضرب الامير ونسج اليمن. كما يسمى المكتوب الكتاب، ثم جمع الزبر على زبور لوقوعه موقع الاسماء التى ليست مصادر، كما يجمع الكتاب كتب، فلما استعمل استعمال الأسماء، قالوا: زبور والوجه الآخر ان يكون جمع زبور بحذف الزيادة على زبور، كما قالوا: ظريف وظروف، وكروان وكروان، وورشان وورشان ونحو ذلك مما يجمع بحذف الزيادة يدل على قوة هذا ان التكسير مثل التصغير. وقد اطرد هذا الحذف في ترخيم التصغير نحو ازهر وزهير، وحارث وحريث وثابت وثبيت والجمع مثله في القياس، وإن كان اقل منه في الاستعمال، ومن فتح الزاي أراد الكتاب المنزل على داود (ع) كما سمى المنزل على موسى التوراة، والمنزل على عيسى الانجيل، والمنزل على محمد (صلى الله عليه وسلم) الفرقان.

[المعنى]:

قال الحسين بن علي المغربى: زبور جمع زبور ومثله تخوم وتخوم وعذوب وعذوب قال: ولا يجمع فعول - بفتح الفاء - على فعول - بضم الفاء - إلا هذه الثلاثة فيما عرفنا. والزبر احكام العمل في البئر خاصة يقال: بئر مزبورة: اذا كانت مطوية بالحجارة. ويقال: ما لفلان زبر اي عقل. وزبر الحديد: قطعة واحدها زبرة. ويقول زبرت الكتاب ازبره زبراً مثل اذبره ذبراً - بالذال المعجمة -.

[المعنى]:

هذا خطاب من الله للنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول الله: إنا اوحينا اليك يا محمد أي ارسلنا اليك رسلنا بالنبوة كما أرسلنا إلى نوح وسائر الانبياء الذين سميناهم لك من بعد والذين لم نسمهم لك. وقيل: إن هذه الآية نزلت على النبي (صلى الله عليه وسلم) لان بعض اليهود لما فضحهم الله بالآيات - التي انزلها على رسوله (صلى الله عليه وسلم) من عند قوله: { يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء، وما بعده } فتلا ذلك عليهم رسول الله، قالوا: ما انزل الله على بشر من شيء بعد موسى، فأنزل الله هذه الآيات تكذيباً لهم، واخبر نبيه والمؤمنين بها انه قد انزل على من بعد موسى من الذين سماهم في هذه الآية وعلى من لم يسمهم وهو قول ابن عباس. وقال آخرون بل قالوا لما انزل الله الايات التي قبل هذه في ذكرهم: ما انزل الله على بشر من شيء، ولا على عيسى. ذهب اليه محمد بن كعب القرطي وفيم نزل قوله: { وما قدروا الله حق قدره اذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء } والاسباط في ولد اسحاق كالقبائل في اولاد اسماعيل. وقد بعث منهم عدة رسل: كيوسف وداود وسليمان، وموسى وعيسى، فيجوز أن يكون أراد بالوحي اليهم الوحي إلى الانبياء منهم، كما تقول: أرسلت الى بني تميم، وإن ارسلت إلى وجوههم وليس يصح عندنا ان الاسباط الذين هم اخوة يوسف، كانوا انبياء.