الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } * { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }

[المعنى]:

هذه الآية عطف على ما قبلها وتقديره، فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بايات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق، وقولهم: قلوبنا غلف وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، أنزلنا من العذاب، وأوجبنا لهم من العقاب، لان اخبارهم انهم قتلوا المسيح يقيناً، وما قتلوه، كفر من حيث هو جرأة على الله في قتل أنبيائه، ومن دلت المعجزات على صدقه، ثم كذبهم الله في قولهم: إنا قتلناه فقال: { وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم }.

واختلفوا في كيفية التشبيه الذي شبه لليهود في أمر عيسى فقال وهب بن منبه: أنى عيسى ومعه سبعة عشر من الحواريين في بيت فاحاطوا بهم، فلما دخلوا عليهم صيرهم الله كلهم على صورة عيسى فقالوا لهم سحرتمونا ليبرزن لنا عيسى أو لنقتلنكم جميعاً، فقال عيسى لاصحابه: من يشري نفسه منكم اليوم بالجنة، فقال رجل منهم: انا، فخرج اليهم فقال: أنا عيسى، وقد صيره الله على صورة عيسى، فاخذوه وقتلوه، وصلبوه. فمن ثم شبه لهم، وظنوا انهم قد قتلوا عيسى، وظنت النصارى مثل ذلك أنه عيسى، ورفع الله عيسى من يومه ذلك. وبه قال قتادة والسدي وابن اسحاق ومجاهد وابن جريج، وان اختلفوا في عدد الحواريين، ولم يذكر احد غير وهب ان شبهه ألقي على جميعهم، بل قالوا: ألقي شبهه على واحد، ورفع عيسى من بينهم قال ابن اسحاق: وكان اسم الذي القي عليه شبهه سرجس، وكان احد الحواريين، ويقال: إن الذي دلهم عليه وقال هذا عيسى أحد الحواريين أخذ على ذلك ثلاثين درهما، وكان منافقاً، ثم انه ندم على ذلك فاختنق حتى قتل نفسه، وكان اسمه بودس زكريا بوطا، وهو ملعون في النصارى، وبعض النصارى يقول: إن بودس زكريا بوطا هو الذي شبه لهم فصلبوه، وهو يقول: لست بصاحبكم الذي دللتكم عليه. قال الطبري: الاقوى قول ابن المنبه، وهو ان سبعة عشر القي على جماعتهم شبه عيسى، لانه لو كان ألقي على واحد منهم مع قول عيسى ايكم يلقى عليه شبهي وله الجنة، ثم رأوا عيسى قد رفع من بين أيديهم لما اشتبه عليهم، وما اختلفوا فيه، وان جاز أن يشتبه على أعدائهم من اليهود الذين لم يكونوا يعرفونه، لكن لما ألقي شبهه على جميعهم، فكان يرى كل واحد بصورة عيسى، فلما قتل واحد منهم اشتبه الحال عليهم. وهذا الذي ذكره قريب. وقال الجبائي: وجه التشبيه ان رؤساء اليهود اخذوا إنساناً فقتلوه وصلبوه على موضع عال، ولم يمكنوا احداً من الدنو منه فتغيرت حليته وتنكرت صورته. وقالوا: قتلنا عيسى، ليوهموا بذلك على عوامهم، لانهم كانوا احاطوا بالبيت الذي فيه عيسى فلما دخلوه كان رفع عيسى من بينهم، فخافوا أن يكون ذلك سبب إيمان اليهود به، ففعلوا ذلك.

السابقالتالي
2 3