الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }

{ الذين } في موضع خفض صفة للمنافقين والكافرين في قوله: { إن الله جامع المنافقين والكافرين }.

أخبر الله تعالى عن هؤلاء المنافقين أنهم يتربصون بالمؤمنين اي ينتظرون بهم فان فتح الله على المؤمنين فتحاً من عدوهم، فأفاء عليهم فيئاً من الغنائم، قالوا لهم الم نكن معكم نجاهد عدوكم ونغزوهم معكم، فاعطونا نصيبنا من الغنيمة، فانا شهدنا القتال وان كان للكافرين نصيب أي حظ باصابتهم من المؤمنين، وليس المراد بذلك ان لهم نصيباً من الله، لانه (تعالى) لم يجعل لهم غلبة المسلمين، ولا اباح لهم شيئاً من اموالهم، بل حظر ذلك عليهم. وقوله: { قالوا } يعني قال المنافقون للكافرين: الم نستحوذ عليكم بمعنى الم نغلب عليكم؟ في قول السدي. وقال ابن جريج: معناه ألم نبين لكم انا على ما انتم عليه والاستحواذ الغلبة ومنه قوله: { استحوذ عليهم فأنساهم ذكر الله } ومعناه غلب عليهم. يقال منه: حاذ عليه يحوذ. واستحاذ يستحيذ. وحاذ يحيذ. قال العجاج يصف ثوراً وكلاماً:
يحوذهن ولهُ حوذي   
وانشده ابو عبيد والاصمعي بالزاي يحوزهنّ وله حوزي والمعنيان متقاربان. وقال لبيد في صفة عيرواتن على احاذ.
إذا اجتمعت واحوذ جانبيها   واوردها على عوج طوال
العوج الطوال القوائم. وقيل: هي النخيل الطوال. فمعنى احوذ جانبيها لم يشذ منها شيء. والاحوذ: الجاد المنكمش الخفيف في اموره كلها. وكان القياس يقتضي أن يقول: استحاذ، لان الواو إذا كانت عين الفعل وكانت محركة بالفتح، وما قبلها ساكن تقلب حركتها الى فاء الفعل، وقلبوها الفاً اتباعا لحركة ما قبلها. كقولهم: استحاذ واستبان واستنار واستعاذ بالله وها هنا تركت على الاصل وهي لغة القرآن. وقوله: { ونمنعكم من المؤمنين } يعني يقول المنافقون الكافرون منعنا المؤمنين منكم بتخذيلنا اياهم، واطلاعنا اياكم على اخبارهم، وكوننا عيونا لكم حتى انصرفوا عنكم وغلبتموهم. وقوله: { فالله يحكم بينكم يوم القيامة } اخبار منه (تعالى) انه الذي يحكم بين الخلائق يوم القيامة ويفصل بينهم بالحق، وينصر المؤمنين { ولا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً } اي بالغلبة والقهر. وان حملناه على دار الدنيا يمكن حمله على انه لا يجعل لهم عليهم سبيلا بالحجة، وان جاز ان يغلبوهم بالقوة، لكن المؤمنين منصورون بالحجة والدلالة. وبالتأويل الاول قال علي (عليه السلام): والسدى وابو مالك وابن عباس. قال السدي: السبيل - ها هنا - الحجة. وبالثاني قال: الزجاج والجبائي والبلخي. وقال الجبائي: ولو حملنا ذلك على الغلبة، كان أيضاً صحيحاً، لان غلبة الكفار للمؤمنين ليس مما فعله الله، لان ذلك قبيح، والله لا يفعل القبيح. وليس كذلك غلبة المؤمنين للكفار، لانه حسن وطاعة، فكان ذلك منسوباً إلى الله (تعالى).