الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

[القراءة والحجة]:

قرأ ابن عامر وحمزه { وإن تلوا } بضم اللام، بعدها واو واحدة ساكنة. الباقون يسكنون اللام بواوين بعدها أولهما مضمومة. حجة من قرأ بواو واحدة أن قال: إن ولاية الشيء اقبال عليه وخلاف الاعراض عنه. والمعنى ان تقبلوا أو تعرضوا فإن الله بما تعملون خبيراً فيجازي المحسن المقبل باحسانه، والمسيء المعرض باعراضه وتركه الاقبال على ما يلزمه ان يقبل عليه قال: ولو قرأت بالواوين، لكان فيه تكرار، لان اللي كالاعراض ألا ترى ان قوله:لووا رؤسهم ورايتهم يصدون } معناه أعراض منهم، وترك الانقياد للحق ومثلهلياً بألسنتهم } معناه أنحراف وأخذ فيما لا ينبغي ان يأخذوا به. وحجة من قرأ بالواوين من لووا ان تقول لا يمتنع ان تتكرر اللفظتان المختلفتان بمعنى واحد على وجه التأكيد، كقوله: { فسجد الملآئكة كلهم أجمعون } وكقول الشاعر:
وهند اتى من دونها   النأي والبعد
وقول آخر:
والفى قولها كذباً وميناً   
وقالوا: أيضا يجوزان يكون تلوا كان أصله تلووا، وان الواو التي هي عين همزت لانضمامها، كما همزت في قوله: (أدروا) والقيت حركة الهمزة على اللام التي هي فاء، فصار تلوا أجاز ذلك الزجاج والفراء وأبو علي الفارسي.

[المعنى واللغة]:

ومعنى الآية ان الله تعالى لما حكى عن الذين سعوا إلى رسول الله في امر بني أبيرق وقيامهم لهم بالعذر، وذبهم عنهم من حيث كانوا أهل فقر وفاقة، أمر الله المؤمنين ان يكونوا { قوامين بالقسط } يعني بالعدل والقسط، والاقساط: العدل يقال: أقسط الرجل إقساطاً إذا عدل وأتى بالقسط وقسط ويقسط قسوطاً: إذا أجار وقسط البعير يقسط قسطاً إذا يبست يده ويد قسط، أي يابسة { شهد الله } وهو جمع شهيد ونصب شهداء على الحال من الضمير في قوله: { قوامين } وهو ضمير الذين آمنوا وقوله: { ولو على أنفسكم } يعني ولو كانت شهادتكم على أنفسكم أو على والديكم أو على أقرب الناس اليكم، فقوموا فيها بالقسط والعدل، وأقيموها على صحتها، وقولوا فيها الحق، ولا تميلوا فيها لغنى غني، ولا فقر فقير، فتجوروا، فان الله قد سوى بين الغني والفقير فيما ألزمكم من أقامة الشهادة لكل واحد منهما بالعدل، وهو تعالى أولى بهما وأحق، لانه مالكهما والههما دونكم وهو اعلم بما فيه مصلحة كل واحد منهما في ذلك، وفي غيره من الامور كلها منكم، فلا تتبعوا الهوى في الميل في شهادتكم إذا قمتم بها لغني أو فقير الى احدهما، فتعدلوا عن الحق أي تجوزوا عنه وتضلوا ولكن قوموا بالقسط، وأدوا الشهادة على ما امركم الله عز وجل بادائها بالعدل لمن شهدتم عليه وله، فان قيل كيف تكون شهادة الانسان على نفسه حتى يامر الله تعالى بذلك، قلنا: بان يكون عليه حق لغيره، فيقرّ له ولا يجحده، فادب الله تعالى المؤمنين أن يفعلوا ما فعله الذين عذروا بني أبيرق في سرقتهم ما سرقوا، وخيانتهم ما خانوا واضافتهم ذلك الى غيرهم فهذا اختيار الطبري.

السابقالتالي
2 3