الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } * { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذٰلِكَ قَدِيراً } * { مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً }

لما ذكر الله قوله: وأن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته بين فى هذه الآية بان له ملك ما في السموات وما في الارض، لا يتعذر عليه إغناء كل واحد من الزوجين عند التفرق، وإيناسه من وحشته ثم رجع إلى توبيخ من سعى في أمر بني أبيرق وتعنيفهم، ووعيد من فعل فعل المرتد منهم، فقال: ولقد وصينا أهل التوراة والانجيل وهم الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أي وأمرناكم أيضاً أيها الخلق { أن اتقوا الله } والتقدير بان اتقوا الله وأحذروا أن تعصوه، وتخالفوا أمره ونهيه { وإن تكفروا } يعني تجحدوا وصيته إياكم أيها المؤمنون، فتخالفوها، { فإن لله ما في السماوات وما في الأرض } يعني له ملك ما فيهما، فلا يستحضر بخلافكم وصيته ولا ان تكونوا أمثال اليهود والنصارى، بل تضرون انفسكم بما يحل بكم من عقابه، وغضبه { وكان الله غنياً } لم يزل، غير محتاج إلى خلقه وإن الخلق هم المحتاجون إليه { حميداً } يعني مستوجب الحمد عليكم بصنائعه الحميدة إليكم، والائه الجميلة، فاستدعوا ذلك باتقاء معاصيه، والمسارعة إلى طاعته فيما يامركم به وهذه الجملة مروية عن علي (عليه السلام) وهو قول جميع المفسرين، ثم قال: { ولله ما في السماوات وما في الأرض } بمعنى له ملك ما فيهما، وهو القيم بجميعه والحافظ له لا يغرب عنه علم شيء ولا يؤوده حفظه وتدبيره { وكفى بالله وكيلاً } يعني كفى الله حافظاً. فان قيل لم كرر قوله: { ولله ما في السماوات وما في الأرض } الآيتين، احداهما عقيب الاخرى؟ قلنا: لاختلاف الخبرين: الاول في الآية الاولى عن حاجة الخلق إلى بارئه، وغناه تعالى عن خلقه، وفي الثانية حفظ الله تعالى إياهم وعلمه بهم، وتدبيره لهم فان قيل: هلا قال: وكان الله غنياً حميداً أو كفى به وكيلا؟ قيل: ما ذكره في الآية الاولى يصلح ان يختم به وصف الله تعالى بالغناء وأنه محمود، ولم يذكر فيها ما يقتضي وصفه بالحفظ والتدبير، فلذلك كرر قوله: { ولله ما في السماوات }.

وقوله: { إن يشأ يذهبكم } معناه، ان يشأ الله ايها الناس ان يهلككم، ويفنيكم ويأت بقوم آخرين غيركم ينصرون نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) ويؤازرونه، كان الله تعالى على ذلك قديراً، فوبخ تعالى بهذه الآيات الخائنين الذين خانوا الدرع وساعدوهم على ذلك، ودافعوا عنهم وحذر أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يكونوا مثلهم وان يفعلوا فعل المرتد منهم في ارتداده ولحاقه بالمشركين وبين أن من فعل ذلك لا يضر إلا نفسه، لانه المحتاج إليه (تعالى) وغناه عنه (عز وجل) وعن جميع الخلق وروي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) انه لما نزلت هذه الآية ضرب بيده علي ظهر سلمان، فقال:

السابقالتالي
2