الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }

[المعنى]:

نفى الله تعالى في هذه الآية ان يقدر احد من عباده على التسوية بين النساء والازواج في حبهنّ والميل إليهن حتى لا يكون ميله الى واحدة منهنّ الا مثل ما يميل الى الاخرى. لان ذلك تابع لما فيه من الشهوة، وميل الطبع. وذلك من فعل الله تعالى، ولا صنع للخلق فيه، وان حرص على ذلك كل الحرص. وليس يريد بذلك نفي القدرة على التسوية بينهن في النفقة، والكسوة والقسمة، لأنه لو كان كذلك لما أمر الله تعالى بالتسوية في جميع ذلك، لانه تعالى لا يكلف العبد ما لا يطيقه. كما قال:لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } وقال:لا يكلف الله نفساً إلا ما أتاها } ولا تجوز المناقضة في كلامه تعالى. ولو حملنا على انه نفى الاستطاعة في التسوية بينهن في النفقة، جاز أن يكون المراد به ان ذلك لا يخف عليكم بل يثقل ويشق عليكم تسويتهن، لميلكم الى بعضهن، فاباح الله تعالى حينئذ ورخص ان يفضل بعضهن على بعض في ما زاد على الواجب من القسمة والنفقة، ولا يؤاخذه بذلك.

وقوله: { فلا تميلوا كل الميل } معناه فلا تعدلوا باهوائكم عمن لم تملكوا محبته منهن كل الميل حتى يحملكم ذلك على أن تجوروا على صواحبها في ترك أداء الواجب لهن عليكم من حق القسمة، والنفقة والكسوة، والعشرة بالمعروف، { فتذروها كالمعلقة } ، يعني تذورا التي لا تميلون اليها كالمعلقة يعني كالتي هي لا ذات زوج، ولا هي ايم. وبه قال مجاهد وعبيدة، والحسن وابن عباس، وقتادة وابن زيد والضحاك وسفيان، والطبري والجبائي والبلخي وغيرهم. وهو المروي عن ابي جعفر (عليه السلام) وابى عبد الله (عليه السلام). وروى ابو ملكية أن الآية نزلت في عائشة وروى ابو قلابة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) انه كان يقسم بين نسائه ويقول: اللهم هذه قسمتي في ما املك فلا تلمنى فيما تملك، ولا املك وقوله: { وإن تصلحوا } يعني في القسمة بين الازواج والتسوية بينهن في النفقة، والكسوة والعشرة بالمعروف، وتتركوا الميل الذي نهاكم الله عنه، من تفضيل واحدة على الاخرى في ذلك، { فإن الله كان غفوراً رحيماً } تستر عليكم ما مضى منكم من الحيف في ذلك اذا تبتم، ورجعتم الى الاستقامة والتسوية بينهن، ويرحمكم بترك المؤاخذة على ذلك، وكذلك كان يفعل فيما مضى مع غيركم يعني في قبول التوبة من كل تائب مقلع نادم على ما فرط وروي عن علي (عليه السلام) انه كان له امرأتان، فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في بيت الاخرى. وروي عن جعفر بن محمد عن ابيه عن ابائه (عليهم السلام) ان النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يقسم بين نسائه في مرضه، فيطاف [به] بينهن، وكان معاذ بن جبل له امرأتان ماتتا في الطاعون أقرع بينهما ايهما تدفن قبل الأخرى؟.