الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }

قضى الله تعالى في هذه الآية للاسلام بالفضل على سائر الملل بقوله: ومن أحسن ديناً ايها الناس وهو في صورة الاستفهام. والمراد به التقرير. والمعنى من احسن ديناً وأصوب طريقاً، واهدى سبيلا ممن اسلم وجهه لله يعني استسلم وجهه لله. والوجه يراد به ها هنا نفسه وذاته كما قال:كل شيء هالك إلا وجهه } فانقاد له بالطاعة ولنبيه (صلى الله عليه وسلم) بالتصديق { وهو محسن } بمعنى وهو فاعل للفعل الحسن مما امره الله به { واتبع ملة إبراهيم حنيفاً } يعني واتبع الذي كان عليه (ابراهيم)؛ وامر به نبيه من بعده، وأوصاهم به من الاقرار بتوحيده، وعدله وتنزيهه عما لا يليق به { حنيفاً } يعني مستقيما على منهاجه وسبيله. وقد بينا فيما مضى معنى الحنيف، فلا فائدة في إعادته، وبمثل ذلك قال الضحاك، وغيره من المفسرين.

وقوله: { واتخذ الله إبراهيم خليلاً } ومعنى الخليل يحتمل أمرين:

احدهما - المحبة، مشتقاً من الخلة بضم الخاء والمعنى اتخذ الله ابراهيم محباً وتكون خلة ابراهيم: موالاته لاولياء الله ومعاداته لاعدائه. وخلة الله له نصرته على من اراده بسوء مثل ما اراد نمرود من احراقه بالنار، فانقذه الله منها، وأعلى حجته عليه. وكما فعل بملك مصر حين راوده عن اهله، وجعله اماماً لمن بعده من عباده، وقدوة لهم.

والثاني - ان يكون ذلك مشتقاً من الخلة التي هي الفقر بفتح الخاء - كما قال زهير يمدح هرم بن سنان:
وان أتاه خليل يوم مسألة   يقول لا غائب مالي ولاحرم
ويروى يوم مسغبة وهو الاظهر وانما انشد البلخي يوم مسألة، وهو بخلاف الروايات. وقال آخر:
واني وان لم تسعفانى بحاجة   إلى آل ليلى مرة لخليلي
أي لمحتاج. وقيل: انه أصاب أهل ناحية ابراهيم (ع) جدب، فارتحل الى خليل له من أهل مصر يلتمس طعاما لاهله من قبله، فلم يصب عنده حاجته، فلما قرب من أهله مر بمفازة ذات رمل لينة فملأ غرائره من ذلك الرمل لئلا يغم أهله برجوعه بغير ميرة، فيظنوا ان معه طعاماً فحول الله تعالى غرائره دقيقاً، فلما وصل إلى اهله قام أهله، ففتحوا الغرائر فوجدوا دقيقاً، فعجنوا منه، فخبزوا فاستيقظ ابراهيم فسألهم من اين خبزوا؟ فقالوا من الدقيق الذي جئت به من عند خليلك المصري فقال: لا بل من عند خليلي الله (عز وجل) فسماه الله خليلا. فهذا ما روي وهو من آيات الانبياء (صلى الله عليه وسلم) فاما الاشتقاق فالخلة بضم الخاء: الصداقة. والخلة بفتح الخاء: الحاجة، واستعمل فى الحاجة، للاختلال الذي يلحق الفقير فيما يحتاج اليه. والخلة بمعنى الصداقة، فلان كل واحد منهما يسد خلل صاحبه في المودة، والحاجة. وقيل: لانه يطلعه على اسراره فكانه في خلل قلبه والخلل: كل فرجه تقع في شيء والخلال: هو ما يتخلل به لانه يتبع به الخلل بين الاسنان.

السابقالتالي
2