الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ ٱحْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً }

[ اللغة، والمعنى]:

الخطيئة، والخطيء: الأثم العمد، تقول: خطىء يخطأ: إذا تعمد الذنب، وأخطأ يخطأ: إذا لم يتعمد. قال الزجاج: لما سمى الله تعالى المعاصي بانها خطيئة ووصفها دفعة أخرى بأنها إثم، فصل بينهما ها هنا حتى يدخل الجنسان فيه. وقال غيره: المعنى من يعمل خطيئة، وهي الذنب، أو إثما، وهو ما لا يحل من المعصية، وفرق بين الخطيئة والاثم، لأن الخطيئة قد تكون عمداً وغير عمد، والاثم لا يكون إلا عمداً. فبين تعالى أن من يفعل خطيئة على غير عمد منه لها مما يلزمه فيه الغرامة، وان لم يكن إثم فيه، أو آثماً فيه على عمد منه، وهو ما يستحق به العقاب { ثم رمى به بريئاً } يعني أضافه إلى من هو بريء منه { فقد احتمل بهتاناً } يعني فقد تحمل بفعله ذلك فرية وكذباً { وإثماً مبيناً } يعني وجرماً عظيماً.

والبهتان: الكذب الذي تتحير فيه من عظمه وبيانه. يقال: بهت فلان: إذا كذب، وبهت يبهت: إذا تحير، قال الله تعالى:فبهت الذي كفر } وإنما قال { به } وقد ذكر الخطيئة والاثم قال الفراء: لأنه يجوز أن يكنى عن الفعلين أحدهما مؤنث والآخر مذكر بلفظ التذكير والتوحيد ولو كثر لجازت الكناية بالتوحيد، لأن (الافاعيل) تقع على فعل واحد، فكذلك جاز، فان شئت جعلتها لواحد، وإن شئت جعلت الهاء للاثم خاصة كما قال:وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها } فجعله للتجارة. وفي قراءة عبد الله { وإذا رأوا لهواً أو تجارة } فجعله للتجارة في تقديمها وتأخيرها. ولو ذكر على نية اللهو لجاز وقد جاء مثنى، قال تعالى:إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما } وفى قراءة أبي { إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهم }. وفي قراءة عبد الله بن مسعود مثله، لأنه في مذهب الجمع كما يقول: أصبح الناس صائماً ومفطراً، فأدى اثنان عن الجمع. وقال الزجاج: المعنى ثم يرمي بذلك بريئاً. قال رؤبة:
فيه خطوط من سواد وبلق   كأنه في الجلد توليع البهق
أي كأن ذلك. واختلفوا فيمن عنى به بقوله: { بريئاً } بعد إجماعهم على أن الرامي ابن أبيرق، فقال قوم: البريء رجل مسلم يقال له: لبيد بن سهل. وقال آخرون: بل هو رجل يهودي يقال له زيد بن السمين. وقد ذكرناه فيما مضى. وبالاخير قال ابن سيرين، ورواه ابو الجارود عن ابي جعفر (ع).