الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } * { وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }

المعنى:

خاطب الله بهذه الآية نبيه (صلى الله عليه وسلم)، فقال: { إنا أنزلنا إليك } يا محمد (صلى الله عليه وسلم) { الكتاب } يعني القرآن { بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله } يعني بما أعلمك الله في كتابه { ولا تكن للخائنين خصيماً } نهاه أن يكون لمن خان مسلماً أو معاهداً في نفسه أو ماله خصيماً يخاصم عنه، ويدفع من طالبه عنه بحقه الذي خانه فيه. ثم أمره بأن يستغفر الله في مخاصمته عن الخائن مال غيره { إن الله كان غفوراً رحيماً } يصفح عن ذنوب عباده ويسترها عليهم، ويترك مؤآخذتهم بها. وعندنا أن الخطاب وإن توجه إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) من حيث خاصم من رآه على ظاهر الايمان والعدالة، وكان في الباطن بخلافه فلم يكن ذلك معصية، لأنه (ع) منزه عن القبائح فانما ذكر ذلك على وجه التأديب له في أن لا يبادر فيخاصم ويدفع عن خصم إلا بعد أن يبين الحق منه. والمراد بذلك امته عليه السلام. على أنا لا نعلم أن ماروي في هذا الباب وقع من النبي (صلى الله عليه وسلم)، لأن طريقه الآحاد، وليس توجه النهي إليه بدال على أنه وقع منه ذلك المنهي قاللئن أشركت ليحبطن عملك } ولا يدل ذلك على وقوع الشرك منه. وقال قوم من المفسرين: انه لم يخاصم عن الخصم وإنما هم به فعاتبه الله على ذلك.

القصة والنزول:

والآية نزلت في بني أبيرق كانوا ثلاثة أخوة بشر وبشير ومبشر وكان بشر يكنى أبا طعمة فنقبوا على عم قتادة بن النعمان وأخذوا له طعاماً وسيفاً، ودرعاً فشكى ذلك إلى ابن أخيه قتادة وكان قتادة بدريا فجاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فذكر له القصة، وكان معهم في الدار رجل يقال له لبيد بن سهل وكان فقيراً شجاعاً مؤمناً، فقال بنو ابيرق لقتادة هذا عمل لبيد بن سهل، فبلغ لبيداً ذلك، فاخذ سيفه وخرج إليهم. وقال يا بني ابيرق أترموني بالسرق وأنتم أولى به مني، وأنتم المنافقون تهجون رسول الله وتنسبون إلى قريش لتبنين ذلك أو لأضعن سيفي فيكم فداروه. وقالوا: ارجع رحمك الله فانت بريء من ذلك. وبلغهم ان قتادة مضى إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فمشوا إلى رجل من رهطهم يقال له أسير بن عروة، وكان منطيقاً لسناً فأخبروه، فمشى أسير إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في جماعة، فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إن قتادة بن النعمان رمى جماعة من أهل الحسب منا بالسرق واتهمهم بما ليس فيهم وجاء قتادة إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فأقبل عليه النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقال عمدت إلى أهل بيت حسب ونسب رميتهم بالسرق وعاتبه فاغتم قتادة ورجع إلى عمه، فقال: ليتني مت ولم أكن كلمت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقد قال لي ما كرهت، فقال عمه الله المستعان، فنزلت هذه الآية

السابقالتالي
2