الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً }

معنى قوله: { وإذا ضربتم في الأرض } إذا سرتم فيها فليس عليكم جناح يعني حرج ولا اثم ان تقصروا من الصلاة يعني من عددها فتصلوا الرباعيات ركعتين. وظاهر الآية يقتضي أن التقصير لا يجوز إلا إذا خاف المسافر، لأنه قال { إن خفتم أن يفتنكم } ولا خلاف اليوم أن الخوف ليس بشرط، لأن السفر المخصوص بانفراده سبب للتقصير. والظاهر يقتضي ان التقصير جائز لا اثم فيه. ويقتضي ذلك انه يجوز الاتمام، وعندنا وعند كثير من الفقهاء أن فرض المسافر مخالف لفرض المقيم، وليس ذلك قصراً، لاجماع أصحابنا على ذلك. ولما روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) انه قال: " فرض المسافر ركعتان غير قصر " وأما الخوف بانفراده فعندنا يوجب القصر. وفيه خلاف وقد روي عن ابن عباس أن صلاة الخائف قصر من صلاة المسافر. وانها ركعة ركعة. وقال قوم: معنى قوله: { ليس عليكم جناح أن تقصروا } يعني من حدود الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا. وهو الذي رواه أصحابنا في صلاة شدة الخوف. وأنه يصلي إيماء والسجود اخفض من الركوع. فان لم يقدر فان التسبيح المخصوص يكفي عن كل ركعة. ثم أخبر تعالى أن الكافرين يعني الجاحدين لتوحيد الله ونبوة نبيه فقد أبانوا عداوتهم لكم بماصبتهم لكم الحرب على عبادتكم الله، وترككم عبادة الاوثان.

وفي قصر الصلاة ثلاث لغات تقول: قصرت الصلاة أقصرها وهي لغة القرآن. وقصرتها تقصيراً، واقصرتها إقصاراً.

واختلف أهل التأويل في قصر الصلاة فقال قوم: هي قصر من صلاة الحاضر ما كان يصلي أربع ركعات أذن له في قصرها، فيصليها ركعتين. ذهب إليه يعلى ابن أمية، وعمر بن الخطاب. وإن يعلى قال لعمر كيف نقصر الصلاة وقد أمنا فقال عمر: عجبت مما عجبت منه، فسألت النبي (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك فقال: " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " وبه قال ابن جريج وقتادة. وفي قراءة أبي { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا } ولا يقرأ { إن خفتم } ومعنى هذه القراءة الا يفتنكم الذين كفروا وحذف (لا) كما حذف في قوله:يبين الله لكم أن تضلوا } ومعناه ألا تضلوا. وقال قوم: القصر لا يجوز إلا مع الخوف روي ذلك عن عائشة، وسعد بن أبي وقاص. وقال قوم: عنى بهذه الآية قصر صلاة الخوف في غير حال المسابقة، وفيها نزلت. ذهب إليه مجاهد وغيره. وقال آخرون: عنى بها قصر الصلاة صلاة الخوف في حال غير شدة الخوف. وعنى به قصر الصلاة من صلاة السفر لا من صلاة الاقامة، لأن صلاة السفر عندهم ركعتان تمام غير قصر، كما قلناه - ذهب إليه السدي، وابن عمر، وسعيد بن جبير، وجابر بن عبد الله، وكعب - وكان من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) قطعت يده يوم اليمامة وحذيفة بن اليمان، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وثعلبة ابن زهدم اليربوعي وكان من الصحابة - وأبو هريرة.

السابقالتالي
2