الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } * { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَاتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَاهِلُونَ } * { وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ }

قرأ روح { وينجي الله } بالتخفيف. الباقون بالتشديد. وقرأ ابن كثير { تأمروني أعبد } مشددة النون مفتوح الياء. وقرأ نافع وابن عامر في رواية الداجوني خفيفة النون. وفتح الياء نافع، ولم يفتحها ابن عامر. وقرأ ابن عامر في غير رواية الداجوني { تأمرونني } بنونين. الباقون مشددة النون ساكنة الياء. وقرأ اهل الكوفة إلا حفصاً { بمفازاتهم } جماعة. الباقون { بمفازتهم } على واحدة. فمن وحده قال: هو بمنزلة السعادة والنجاة، كما قال الله تعالىبمفازة من العذاب } وقال قوم المفازة الصحراء، فهي مهلكة وتسمى مفازة تفاؤلا، كما قالوا - لمعوج الرجلين - احنف، وللحبشي ابو البيضاء. وقال ابن الاعرابي: ليست مقلوبة بل المفازة المهلكة، يقولون: فوز الرجل إذا هلك ومات. ومن قرأ { تأمرونني } فلأنه الأصل. ومن شدد أدغم احدى النونين في الأخرى. ومن خفف حذف احدى النونين، كما قال الشاعر:
تراه كالثغام يعل مسكا   بسوء الغانيا إذا قليني
أراد قلينني فحذف. لما اخبر الله تعالى عن حال الكفار وأن الله يحشرهم يوم القيامة مسودة وجوههم، وأن مقامهم في جهنم، اخبر انه ينجي الذين اتقوا معاصي الله خوفاً من عقابه، ويخلصهم. وقوله { بمفازتهم } بمنجاتهم من النار بطاعاتهم التي أطاعوا الله بها. واصل المفازة المنجاة، وبه سميت الفلاة مفازة على وجه التفاؤل بالنجاة منها، كما سموا اللديغ سليما. ومن وحد فلأنه اسم جنس او مصدر يقع على القليل والكثير. ومن جمع أراد تخلصهم من مواضع كثيرة فيها هلاك الكفار وانواع عذابهم.

وقوله { لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون } معناه إن هؤلاء المؤمنين الذين يخلصهم الله من عقاب الآخرة وأهوالها لا يمسهم عذاب أصلا، ولا هم يغتمون على وجه. وقوله { لا يمسهم السوء } معناه نفياً عاماً لسائر انواع العذاب، والعموم في قوله { ولا هم يحزنون } فيه تأكيد له، وقيل: لئلا يظن ظان انه لما لم يمسهم العذاب جاز أن يمسهم بعض الغم، ففي ذلك تفصيل واضح يزيل الشبهة.

ثم اخبر تعالى انه خلق كل شيء، ومعناه انه يقدر على كل شيء، { وهو على كل شيء وكيل } أي له التصرف في ما يريد حافظ له، وإن حملنا معنى الخلق على الاحداث، فالمراد به { خالق كل شيء } من مقدوراته من الأجسام والاعراض. وقوله { له مقاليد السماوات والأرض } والمقاليد المفاتيح واحده (مقليد) كقولك: منديل ومناديل، ويقال فى واحده ايضاً (إقليد) وجمعه (أقاليد) وهو من التقليد، والمعنى له مفاتيح خزائن السموات والارض يفتح الرزق على من يشاء ويغلقه عمن يشاء. وقوله { والذين كفروا بآيات الله } يعني كفروا بآياته من مقاليد السموات والارض وغيرها وقوله { أولئك هم الخاسرون } يعني هؤلاء الذين كفروا بأدلة الله وحججه { هم الخاسرون } ، لانهم يخسرون الجنة ونعيمها ويحصلون في النار وسعيرها.

السابقالتالي
2