الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـٰؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } * { أَوَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } * { وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ }

يقول الله تعالى مخبراً عن حال هؤلاء الكفار في الآخرة وما يصيرون اليه فقال { فأصابهم سيئآت ما كسبوا } قيل في معناه قولان:

احدهما - فاصابهم عقاب سيئآت ما كسبوا وحذف المضاف واقام المضاف اليه مقامه لدلالة الكلام عليه.

الثاني - انه اراد فأصابهم عقاب ما كسبوا من المعاصي وسماه سيئآت لازدواج الكلام، كما قالوجزاء سيئة سيئة مثلها } ثم قال { والذين ظلموا من هؤلاء } يعني من كفار قوم النبي صلى الله عليه وآله { سيصيبهم } أيضاً { سيئآت ما كسبوا وما هم بمعجزين } أي ليس يفوتون الله، ثم قال على وجه التنبيه لهم على معرفته { أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء } أي يوسعه على من يشاء من عباده بحسب ما يعلم من مصلحته { ويقدر } أي ويضيق على من يشاء منهم بمثل ذلك { إن في تلك لآيات } أي دلالات واضحات { لقوم يؤمنون } أي يصدقون بتوحيد الله ويقرون بأنبيائه. وأضاف الآيات إلى المؤمنين لأنهم الذين انتفعوا بها، ثم قال { قل } لهم يا محمد { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } بارتكاب المعاصي { لا تقنطوا من رحمة الله } أي لا تيأسوا من رحمة الله يقال: قنط يقنط قنوطاً إذا يئس { إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم } وفى ذلك دلالة واضحة على انه يجوز ان يغفر الله بلا توبة تفضلا منه وبشفاعة النبى صلى الله عليه وآله لانه لم يشرط التوبة بل أطلقها. وروي عن فاطمة عليها السلام أنها قالت: إن الله يغفر الذنوب جميعاً ولا يبالي. وروي عن علي عليه السلام وابن عباس: أنهما قالا: إن لأرجى آية في كتاب الله قولهوإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم } فقال عبد الله بن عمرو بن العاص بل أرجى آية في كتاب الله قوله { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } وهو المروي عن علي ايضاً.

وقوله { وأنيبوا إلى ربكم } امر مستأنف من الله لخلقه بالرجوع إلى الله والتوبة من معاصيهم. والانابة هي الرجوع { وأسلموا له } معناه آمنوا به وسلموا لاوامره { من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون } عند نزول العذاب بكم { واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم } إنما قال { أحسن ما أنزل } لأنه اراد بذلك الواجبات والنفل التي هي الطاعات دون المباحات والمقبحات التي لا يأمر بها. وقال السدي { أحسن } أي ما أمر الله تعالى به في الكتاب، وقال قوم { أحسن ما أنزل إليكم من ربكم } يريد به الناسخ دون المنسوخ، وهذا خطأ، لان المنسوخ لا يجوز العمل به بعد النسخ وهو قبيح، ولا يكون الحسن أحسن من قبيح، وقال الحسن احسنه ان يأخذوا بما أمرهم الله به وأن ينتهوا عما نهاهم عنه { من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة } أي فجأة في وقت لا تتوقعونه { وأنتم لا تشعرون } أي لا تعرفون وقت نزوله بكم.