الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلْخِزْيَ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ٱلْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ }

قال المبرد العرب تقول لكل شيء يصل اليك بجارحة من الجوارح: ذق أي يصل معرفته اليك، كما يصل اليك معرفة ما تذوقه بلسانك من حلو ومرّ ومنه قولهفذاقوا وبال أمرهم } وقولهذق إنك أنت العزيز الكريم } والخزي هو المكروه والهوان، وخزي فلان إذا وقع في المكروه، فالخزي افراط الاستحيا، يقال ما استحيا وما تخزى، ورأيته خزيان نادماً، قال الشاعر:
ولا أنت دياني فتخزوني   
قرأ ابن كثير، وابو عمرو، ويعقوب { ورجلا سالماً } على وزن (فاعل) معناه خالصاً لا يشركه فيه غيره لأن الله تعالى ضرب مثلا للمؤمن والكافر، فشبه الكافر بشركاء متنازعين مختلفين، والمؤمن من عبد إلهاً واحداً. الباقون { سلما لرجل } على المصدر من قولهم: سلم فلان لله سلماً بمعنى خلص له خلوصاً، كما يقولون: ربح الرجل في تجارته ربحاً وربحاً: وسلم سلماً وسلماً وسلامة، وتقديره ذا سلم، فمعنى " أذاقهم الله " أي جعلهم يدركون الألم، كما يدرك الذائق الطعام، والخزي الذل الذي يستحيا من مثله بما فيه من الفضيحة، وخزيهم في الحياة الدنيا هو ما فعله بهم من العذاب العاجل من إهلاكهم واستئصالهم الذي يبقى ذكره على الأبد. ثم قال تعالى { ولعذاب الآخرة أكبر } مما فعل بهم في دار الدنيا { لو كانوا يعلمون } صدق ما اخبرنا به.

ثم اقسم تعالى بأن قال { ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون } فالتذكر طلب الذكر بالفكر، وهذا حث على طلب الذكر المؤدي إلى العلم، والمعنى لكي يتذكروا، ويتعظوا فيجتنبوا ما فعل من تقدم من الكفر والمعاصي، لئلا يحلّ بهم كما حل بأولئك. وقوله { قرآناً عربياً } أي انزلناه قرآناً عربياً غير ذي عوج أي غير ذي ميل عن الحق بل هو مستقيم موصل إلى الحق، ويقال في الكلام عِوج - بكسر العين - إذا عدل به عن جهة الصواب. والمثل علم شبه به حال الثاني بالاول. والمثال مقياس يحتذى عليه، وإنما قال: ضربنا مثلا واحداً، ولم يقل مثلين، لأنهما جميعاً ضربا مثلا واحداً، ومثله قوله تعالىوجعلنا ابن مريم وأمه آية } ولو ثني لكان حسناً - في قول الفراء - وقوله { لعلهم يتقون } معناه لكي يتقوا معاصي الله خوفاً من عقابه.

ثم قال تعالى { ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون } فالتشاكس التمانع والتنازع، تشاكسوا في الأمر تشاكساً، وفي الشركاء تشاكس في البيع، وتدبير المملوك ونحو ذلك { ورجلا سلماً لرجل } فضرب المثل للموحد بعبادته الله تعالى وحده - عز وجل - والمشرك بعبادته غير الله - في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد - { هل يستويان مثلا } في حسن الحال، لا يستويان لأن الخالص لمالك واحد يستحق من معونته وحياطته ما لا يستحقه صاحب الشركاء المختلفين في امره.

السابقالتالي
2