يقول الله تعالى مخاطباً لنبيه صلى الله عليه وآله والمراد به جميع المكلفين على وجه التنبيه لهم على الأدلة الدالة على توحيده واختصاصه بصفات لا يشركه فيها غيره { ألم تر } يا محمد ومعناه ألم تعلم { أن الله أنزل من السماء ماء } يعني مطراً { فسلكه ينابيع في الأرض } يعني أدخله في عيون الأرض ومنابعها. وقيل: السلوك دخول في الشيء، ولهذا حسن في صفة الماء الجارى، فقيل فسلكه ينابيع في الأرض، ويقولون: دخل في الاسلام، ولا يقال سلك في الاسلام، والينابيع جمع ينبوع، وهو خروج الماء من العيون. وقيل: الينبوع المكان الذي ينبع منه الماء تقول: نبع الماء من موضع كذا إذا فار منه، وعيون الماء مستودع الماء، ونبع الماء إذا انفجرت به العيون. وقوله { ثم يخرج به } يعني بذلك الماء { زرعاً } وهو كل ما ثبت على غير ساق، والشجر ما له ساق واغصان. والنبات يعم الجميع، يقال: تنبت النخلة والشجرة والحبّة تنبت نباتاً. وقوله { مختلفاً ألوانه } يعني صنوفه وقيل: مختلف الالوان من اخضر واصفر واحمر وأبيض: من البر والشعير والسمسم والارز والذرة والدخن وغير ذلك. وقوله { ثم يهيج فتراه مصفراً } معناه يجف ويضطرب، فالهيج شدة الاضطراب بالانقلاب عن حال الاستقامة والصلاح، هاج يهيج هيجاً وهياجاً وهاج البعير هيجاً. وقيل: معنى { يهيج } أي يحمى ويجف، فكأنه عما يلحق الجميع يخرج إلى تلك الحال فيتغير عن لون الخضرة إلى لون الصفرة. وقوله { ثم يجعله حطاماً } فالحطام فتات التبن والحشيش. ثم قال { إن في ذلك } يعني في ما ذكره من انزال الماء من السماء وإنبات الزرع به ونقله من حال إلى حال { لذكرى } أي ما يتذكر به ويفكر فيه لاولي الالباب يعني ذوي العقول السليمة. ثم قال تعالى على وجه التنبيه للحق { أفمن شرح الله صدره للإسلام } أي من لطف الله له حتى آمن وعرف الله ووحده وصدق نبيه { فهو على نور من ربه } يعني فهو على هداية من الله ودين صحيح، كمن كان بخلاف ذلك، وحذف لدلالة الكلام عليه. ثم قال { فويل للقاسية قلوبهم } يعني الويل والعقاب للذين قست قلوبهم { عن ذكر الله } حتى لم يعرفوه ولا وحدوه يقال قسى الشيء إذا صلب، كما قال{ ثم قست قلوبكم من بعد ذلك } ويقال: غسا وعثا وقسا بمعنى واحد، ويقال ما اقسى قلبه إذا كان لا يلين لشيء. والمعنى كلما تلي عليه ذكر الله قسى قلبه. وقوله { عن ذكر الله } معناه غلظ قلبه عن ذكر الله. والقاسية قلوبهم هم الذين الفوا الكفر وتعصبوا له فلذلك قست قلوبهم. ثم قال تعالى { أولئك } يعني القاسية قلوبهم عن ذكر الله { في ضلال } أي عدول عن الحق { مبين } أي واضح ظاهر.