الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } * { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } * { قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

قرأ ابن كثير ونافع وحمزة { أمن هو قانت } بتخفيف الميم. الباقون بتشديدها، من خفف أراد النداء وتقديره يا من هو قانت. قال ابن خالويه: سمعت ابن الانباري يقول: ينادي العرب بسبعة الفاظ: زيد اقبل، وازيد اقبل ويا زيد اقبل، وها زيد أقبل، وأيا زيد اقبل، وأي زيد اقبل، وهيا زيد اقبل. وانشد:
هيا ظبية الوعشاء بين جلايد   وبين النقاء أنت أم أم سالم
ويجري ذلك مجرى قول القائل: فلان لا يصوم ولا يصلي، فيا من يصوم ويصلي ابشر. وقال ابو علي: النداء - هنا - لا وجه له. والمعنى أمن هو قانت كمن هو بخلاف ذلك؟! لأنه موضع معادلة، وإنما يقع في مثل هذا الموضع الجمل التي تكون اخبار وليس كذلك النداء. ويدل على الحذف قوله { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } لان التسوية لا تكون إلا بين شيئين وفى جملتين من الخبر. والمعنى أمن هو قانت كمن جعل لله أنداداً ليضل عن سبيله، وقال أبو الحسن: القراءة بالتخفيف ضعيفة، لأن الاستفهام إنما يبني على ما بعده، ولا يحمل على ما قبله، وهذا الكلام ليس قبله ما يبنى عليه إلا في المعنى ومن شدّد احتمل أمرين:

احدهما - ان يريد أهذا خير أم من هو قانت.

والثاني - ان يكون جعل (أم) بمنزلة (بل) والف الاستفهام، وعلى هذا يكون الخبر محذوفاً لدلالة الكلام عليه، كما قال الشاعر:
فأقسم لو شيء أتانا رسوله   سواك ولكن لم نجد لك مدفعاً
والمعنى لو أتانا غيرك ما صدقناه، ولا أهتدينا فحذف. وقال تعالى { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } و { أفمن يتقى بوجهه سوء العذاب } كل ذلك محذوف الجواب. والقانت الداعي، والقانت الساكت، والقانت المصلي قائماً وانشد:
قانتاً لله يتلو كتبه   وعلى عمد من الناس اعتزل
وقيل القانت الدائم على الطاعة لله ـ في قول ابن عباس والسدي -.

يقول الله عز وجل مخبراً عن حال الانسان وضعف يقينه وشدة تحوله من حال إلى حال إنه إذا مسه ضر من شدة فقر ومرض وقحط { دعا } عند ذلك { ربه منيباً إليه } أي راجعاً اليه راغباً فيه { ثم إذا خوله نعمة منه } فانه إذا أعطاه نعمة عظيمة، فالتخويل العطية العظمية على جهة الهبة، وهي المنحة قال ابو النجم:
اعطى فلم ينجل ولم يبخل   كوم الذرى من خول المخول
{ نسي ما كان يدعوا إليه من قبل } يعني ترك دعاء الله، كما كان يدعو في حال ضره، قال الفراء: ويجوز أن تكون (ما) بمعنى (من) كما قالفانكحوا ما طاب لكم من النساء } { وجعل لله أنداداً } أي وسمى له تعالى أمثالا في توجيه عبادته اليها من الأصنام والاوثان { ليضل عن سبيله } فمن ضم الياء أراد ليضل بذلك غيره عن سبيل الحق.

السابقالتالي
2