الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } * { مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } * { أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } * { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ } * { أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ }

خمس آيات في الكوفي واربع في الباقي.

اخبر الله تعالى عن هؤلاء الكفار الذين ذكرهم انهم انطلقوا اي ذهبوا فالانطلاق ذهاب بسهولة، ومنه طلاقة الوجه وهي سهولة وبشر خلاف العبوس وقوله { أن امشوا } قال الزجاج: أى بهذا القول، وتقديره بأن امشوا وقال قوم: معنى (أن) أي التي للتفسير لأنه صار انطلاقهم لدلالته على هذا المعنى بمنزلة الناطق به، كما يقولون: قام يصلي أي أنا رجل صالح. وقال بعضهم: معناه الدعاء لهم بأن يكثر ماشيتكم، وهذا باطل لفظاً ومعنى فاللفظ لأنه لو كان كما قالوه لكانت الهمزة من { أن امشوا } إذا أمر منها مفتوحة، لأنه من امشى يمشي إذا كثرت ماشيته والامر منه امشوا بقطع الهمزة، والقراءة بكسرها، قال الشاعر:
وكل فتى وإن أثرى وامشى   ستسلخه من الدنيا المنون
واما المعنى، فلانه لا يشاكل ما قبله ولا ما بعده.

وقوله { واصبروا على آلهتكم } أمر منهم بعضهم لبعض أن يصبروا على عبادة آلهتهم وتحمل المشاق لاجلها. وقال مجاهد: القائل لذلك عقبة بن أبي معيط فالصبر محمود إذا كان في حبس النفس عن المحارم، فهؤلاء الجهال اعتقدوا أن الحق في الصبر على آلهتهم، ولم يعلموا ان ذلك كفر. وفي ذلك دلالة على فساد قول من يقول: إن المعارف ضرورة، قال الحسن: إن هذا يكون في آخر الزمان.

وقوله { إن هذا لشيء يراد } معناه هذا الذي يدعيه محمد ويدعوهم اليه لشيء يراد به أمر ما من الاستعلاء علينا والرياسة فينا والقهر لنا.

ثم حكى ما قالوه فانهم قالوا { ما سمعنا بهذا } يعنون ما يدعوهم اليه النبي صلى الله عليه وآله من التوحيد وخلع الانداد من دون الله { في الملة الآخرة } قال ابن عباس يعنون في النصرانية، لأنها آخر الملل. وقال مجاهد: يعنون في مكة وقريش. ثم قالوا { إن هذا إلا اختلاق } قال ابن عباس ومجاهد: معناه ليس هذا إلا تخرص وكذب. ثم تعجبوا فقالوا { أأنزل عليه الذكر من بيننا } يعنون كيف خص محمد بانزال القرآن دوننا؟! فقال الله تعالى { بل هم في شك من ذكري } معناه ليس يحملهم على هذا القول إلا الشك في الذكر الذي أنزلت على رسولي { بل لما يذوقوا عذاب } ثم قال { أم عندهم خزائن رحمة ربك }؟ قال الفراء: الأستفهام إذا توسط الكلام ابتدئ بألف وب (أم)، وإذا لم يسبق كلام لم يكن إلا بألف او بـ (هل). ووجه اتصال هذا القول بما تقدم هو إتصال الانكار لما قالوا فيه، أي ذلك ليس اليهم، وإنما هو إلى من يملك هذه الأمور. و { خزائن رحمة ربك } معناه مقدوراته التي يقدر بها على أن ينعم بها عليهم. وقوله { العزيز } يعني القادر الذي لا يغالب ولا يقهر { الوهاب } لضروب النعم { أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما } فان كان لهم ذلك { فليرتقوا في الأسباب } وهي جمع سبب وكل ما يتوصل به إلى المطلوب - من حبل أو سلم او وسيلة او رحم او قرابة او طريق او جهة - فهو سبب، ومنه قيل: تسببت بكذا إلى كذا أي توصلت به اليه.