الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ } * { فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } * { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } * { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ } * { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ } * { وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ } * { وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } * { هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ }

قرأ ابن كثير وحده { بالسؤق } مهموزة. وقال ابن مجاهد: الرواية الصحيحة عنه { بالسوق } على فعول، ولما ضمنت الواو همزها، مثل وفيت وأفيت، فهذه رواية قنبل. وقرأ البزي { بالسوق } مثل أبي عمرو، جمع ساق مثل باح وبوح. والباحة والصرح والعرصة والفناء واحد. ومثله قارة وقور للخيل الصغير. ومن همز سوق فعلى لغة من قال: (أحب المؤفدين إلى موسى)، فهمز انشده ابو الحسن لابي حبة النميري، ولانه لما لم يكن بينها وبين الضمة حاجز صار كأن الضمة عليه فهمز.

اخبر الله تعالى انه وهب لداود سليمان. فقال { نعم العبد } كان سليمان { إنه أواب } أي رجاع إلى طاعة الله وطلب ثوابه. وقوله { إذ عرض } يجوز أن يتعلق بقوله { نعم العبد } أي نعم العبد حين عرض عليه، ويجوز ان يكون العامل فيه واذكر يا محمد إذ عرض على سليمان { بالعشي } يعني آخر النهار { الصافنات الجياد } والصافنات جمع صافنة، قال ابن زيد: صفن الخيل قيامها على ثلاث مع رفع رجل واحدة. يكون طرف الحافر على الارض وقال مجاهد: صفون الفرس رفع احدى يديه حتى يكون على طرف الحافر صفنت الخيل تصفن صفوناً إذا وقفت كذلك قال الشاعر:
الف الصفون فما يزال كأنه   مما يقوم على الثلاث كسيرا
وقال الزجاج والفراء وغيرهما: كل قائم على ثلاث صافن. والجياد السراع من الخيل فرس جواد كأنه يجود بالركض، كأنه جمع جود كما يقال: مطر جود إذا كان مدراراً ونظيره سوط وسياط. والعرض إظهار الشيء بحيث يرى ليميز من غيره، ومنه قوله { وعرضوا على ربك صفاً } واصله الاظهار قال عمرو بن كلثوم:
واعرضت اليمامة واشمخرت   كأسياف بأيدى مصلتينا
أي ظهرت وأعرض عني معناه أظهر جفوة بتوليه عني، وعرض الشيء إذا صار عريضاً.

وقوله تعالى { إني أحببت حب الخير } قال قتادة والسدي المراد بالخير - ها هنا - الخيل والعرب تسمي الخيل الخير، وبذلك سمي (زيد الخيل) أي زيد الخير، وقيل في ذلك وجهان:

احدهما - انه أراد احببت الخير، ثم اضاف الحب إلى الخير.

والثاني - انه أراد احببت اتخاذ الخير، لأن ذوات الخير لا تراد ولا تحب فلا بد من شيء يتعلق بها، والمعنى آثرت حب الخيل على ذكر ربي ويوضع الاستحباب موضع الايثار. كما قال تعالىالذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة } أي يؤثرون، وقوله { عن ذكر ربي } معناه إن هذا الخيل شغلني عن صلاة العصر حتى فات وقتها، وهو قول علي عليه السلام وقتادة والسدي، وروي أصحابنا انه فاته الوقت الأول، وقال الجبائي: انه لم يفته الفرض، وإنما فاته نفل كان يفعله آخر النهار ففاته لاشتغاله بالخيل. وقوله { حتى توارت بالحجاب } معناه توارت الشمس بالحجاب يعني بالغيبوبة وجاز الاضمار قبل الذكر، لانه معلوم قال لبيد:

السابقالتالي
2 3 4