الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } * { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ } * { إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } * { قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } * { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ }

هذا خطاب من الله تعالى لنبيه وصورته صورة الاستفهام والمراد اخباره بما كان من قصة داود من الحكم بين الخصمين وتنبيهه على موضع إخلاله ببعض ما كان ينبغي أن يفعله فقال { وهل أتاك نبؤ الخصم } يعني خبره فالنبأ الخبر بما يعظم حاله { إذ تسوروا المحراب } يعني حين صعدوا اليه. والخصم هو المدعي على غيره حقاً من الحقوق المنازع له فيه، ويعبر به عن الواحد والاثنين والجماعة بلفظ واحد، لان أصله المصدر، فتقول: رجل خصم، ورجلان خصم، ورجال خصم، ولذلك قال { إذ تسوروا المحراب } لأنه أراد المدعي والمدعى عليه ومن أتبعهما، فلا يمكن أن يتعلق به في أن أقل الجمع اثنان، لما قال { خصمان بغى بعضنا على بعض } لانه أراد بذلك الفريقين، والخصم من خصمته اخصمه خصماً. والتسور الاتيان من جهة السور، يقال تسور فلان الدار إذا أتاها من قبل سورها، وكانوا أتوه من اعلى المحراب، فلذلك فزع منهم، والمحراب مجلس الاشراف الذى يحارب دونه لشرف صاحبه، ومنه سمى المصلي محراباً وموضع القبلة ايضاً محراب.

وقوله { إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض } معناه إن هؤلاء حين دخلوا على داود من غير الجهة التي اعتاد الدخول عليه منها فزع منهم، لانه ظنهم أعداء يريدون به سوء فقالوا له { خصمان } ولم يقولا: نحن خصمان يعني فريقان لأنهما كانا ملكين ولم يكونا خصمين ولا بغى احدهما على الآخر، وإنما هو على المثل { فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط } معناه ولا تجاوز الحق ولا تجر ولا تسرف في حكمك بالميل مع أحدهما - على الآخر، يقال أشط في حكمه إذا جار يشط فهو مشط وشططت علي في السوم تشط شططاً قال الشاعر:
ألا يا لقومي قد اشطت عواذلي   ويزعمن أن اودى بحقي باطلي
وقال آخر:
يشط غداً دار جيراننا   وللدار بعد غد بعد
وقوله { واهدنا إلى سواء الصراط } معناه أرشدنا إلى قصد الطريق الذي هو طريق الحق ووسطه، كما قالفاطلع فرآه في سواء الجحيم } ثم حكى تعالى ما مكان أحد الخصمين لصاحبه، فقال { إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة } قال وهب بن منية: يعني أخي في ديني وقال اكثر المفسرين انه كنى بالنعاج عن تسع وتسعين إمرأة كانت له وان الآخر له نعجة واحدة يعني امرأة واحدة. وقال الحسن: لم يكن له تسع وتسعون امرأة وإنما هو على وجه المثل. وقال أبو مسلم محمد بن بحر الاصفهاني: أراد النعاج باعيانها، وهو الظاهر غير انه خالف أقوال المفسرين. وقال هما من ولد آدم، ولم يكونا ملكين وإنما فزع منهما لانهما دخلا عليه في غير الوقت المعتاد، وهو الظاهر غير انه خلاف أقوال المفسرين على ما قلناه.

السابقالتالي
2 3