الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } * { ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } * { وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } * { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ }

يقول الله مخبراً عن هؤلاء الكفار الذين وصفهم بأنهم يقولون على وجه الاستهزاء بعذاب الله يا { ربنا عجل لنا قطناً } أي قدم لنا نصيبنا من العذاب، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: طلبوا حظهم من العذاب تهزءاً بخبر الله وشكا فيه. وقال السدي: إنما سألوا أن يريهم حظهم من النعيم في الجنة حتى يؤمنوا. وقيل: إنما سألوا أن يعجل كتبهم التي يقرؤنها في الآخرة استهزاء منهم بهذا الوعيد. والقط الكتاب قال الاعشى:
ولا الملك النعمان يوم لقيته   بأمته يعطي القطوط ويأفق
أي كتب الجوائز، لانها قطع نصيب لكل واحد بما كتب. والتعجيل فعل الشيء قبل وقته الذي ينبغي أن يفعل فيه. والقط النصيب وأصله القطع من قولك قطه يقطه قطاً مثل قده يقده قداً، ومنه قولهم: ما رأيته قط أي قطع الدهر الذي مضى { قبل يوم الحساب } أي قبل اليوم الذي يحاسب فيه الخلق ويجازون فيه على أعمالهم على ما يقولونه فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله { اصبر على ما يقولون } أي احبس نفسك على اذاهم وصبرها على أقوالهم { واذكر عبدنا داود ذا الأيد } ترغيباً له في الصبر المأمور به وإن لك يا محمد فيه من إحسان الله اليك على نحو إحسانه إلى داود قبلك، وأنه لو شاء لاعطاك في الدنيا مثل ما أعطى داود ولكنه دبر لك ما هو أعود لك.

وقوله { ذا الأيد } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: معناه ذا القوة، ومنه قولهوالسماء بنيناها بأييد } أي بقوة، وقوله { إنه أواب } قال ابن زيد: معناه تواب وبه قال مجاهد، وهو من آب يؤب أي رجع إلى الله فلذلك مدحه.

ثم اخبر تعالى عن نعمه التي أنعم بها على داود، فقال { إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق } ومعناه إنها كانت تسير بأمر الله معه حيث سار بالغداة والعشي فسمى الله ذلك تسبيحاً لما في ذلك من دلالته على قدرته وغناء من خلقه وصفاته التي لا يشاركه فيها غيره، والاشراق وقت طلوع الشمس يقال: شرقت الشمس إذا طلعت وأشرقت إذا اضاءت { والطير محشورة } وتقديره وسخرنا الطير محشورة أي مجموعة من كل ناحية اليه يعني الطير والجبال { له أواب } أي رجاع إلى ما يريد. وقيل: مسخرة - ذكره قتادة - وقال الجبائي لا يمتنع أن يكون الله خلق في الطيور من المعارف ما تفهم به مراده وأمره من نهيه فتطيعه في ما يريده منها. وإن لم تكن كاملة العقل، ولا مكلفة.

ثم قال { وشددنا ملكه } يعني قوينا ملكه بالجنود والهيبة { وآتيناه الحكمة } أي علمناه الحكمة { وفصل الخطاب } ومثله قول البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه أى إصابة الحكم بالحق. وقال البلخي: يجوز أن يكون المراد بتسبيح الجبال معه هو ما أعطى الله تعالى داود من حسن الصوت بقراءة الزبور، فكان إذا قرأ الزبور أو ذكر ما هو تسبيح لله ورفع صوته بين الجبال رد الجبال عليه مثله كما يرد الصدى، فسمى الله ذلك تسبيحاً لما تضمنه من الدلالة والأول أحسن.