قرأ حمزة والمفضل عن عاصم { يزفون } بضم الياء. الباقون بفتحها، وهما لغتان. وزففت اكثر. ويجوز أن يكون المراد زفّ الرجل في نفسه وأزف غيره، والتقدير فأقبلوا اليه يزفون أنفسهم. قوله { فراغ إلى آلهتهم } معناه مال إليها بحدة، تقول: راغ يروغ روغاً وروغاناً مثل حاد يحيد حيداً وحيداناً، والرّواغ الحياد، قال عدي ابن زيد:
حين لا ينفع الرواغ ولا
ينفع إلا الصادق النحرير.
وإنما مال اليها بحدة غضباً على عابديها، وقوله { إلى آلهتهم } معناه إلى ما يدعون أنها آلهتهم أي إلى ما اتخذوها آلهة لهم، كما تقول. للمبطل: هات حجتك مع علمك انه لا حجة له. وقوله { فقال ألا تأكلون } إنما جاز ان يخاطب الجماد بذلك تهجينا لعابديها وتنبيها على أن من لا يتكلم ولا يقدر على الجواب كيف تصح عبادتها، فاجراها مجرى من يفهم الكلام ويحسن ذكر الجواب استظهاراً في الحجة وإيضاحاً للبرهان، لكل من سمع ذلك ويبلغه. وقوله { ما لكم لا تنطقون } معناه تهجينا لعابديها كأنهم حاضرون بها. وقوله { فراغ عليهم ضرباً باليمين } قيل في معناه قولان: احدهما - انه مال عليهم بيده اليمنى، لانها اقوى على العمل من الشمال. الثاني - بالقسم ليكسرنها، لأنه كان قال{ وتالله لأكيدن أصنامكم } وقال الفراء: اليمين القوة، ومنه قول الشاعر:
[إذ ما راية رفعت لمجد]
تلقاها عرابة باليمين
أي بالقوة. وقوله { فاقبلوا اليه يزفون } قال ابن زيد: معناه يسرعون. وقال السدي: يمشون. وقيل: يتسللون بحال بين المشي والعدو، ومنه زفت النعامة، وذلك أول عدوها، وهو بين العدو والمشي، وقال الفرزدق:
وجاء فزيع الشول قبل أوانها
تزف وجاءت خلفه وهي زفف
ومنه زففت العروس إلى زوجها، ومعنى يزفون يمشون على مهل، قال الفراء: لم أسمع إلا زففت، قال ولعل من قرأ بالضم اراد من قولهم طردت الرجل إذا أخسأته واطردته جعلته طريداً. وقرأ بعضهم { يزفون } يفتح الياء وتخفيف الفاء من (وزف، يزف) قال الكسائي والفراء: لا اعرف هذه إلا أن يكون احدهم سمعها. فلما رآهم ابراهيم صلى الله عليه وآله اقبلوا عليه قال لهم على وجه الانكار عليهم والتبكيت لهم بفعلهم { أتعبدون ما تنحتون } فالالف ألف الاستفهام ومعناها الانكار ووجه التوبيخ انه كيف يصح أن يعبد الانسان ما يعمله بيده! فانهم كانوا ينحتون الاصنام بأيديهم، فكيف تصح عبادة من هذه حاله مضافاً إلى كونها جماداً!. ثم نبههم فقال { والله } تعالى هو الذي { خلقكم } وخلق الذي { تعملون } فيه من الاصنام، لانها اجسام والله تعالى هو المحدث لها، وليس للمجبرة أن تتعلق بقوله { والله خلقكم وما تعملون } فتقول: ذلك يدل على ان الله خالق لافعالنا، لامور: احدها - ان موضوع كلام ابراهيم لهم بني على التقريع لهم لعبادتهم الاصنام، ولو كان ذلك من فعله تعالى لما توجه عليهم العيب، بل كان لهم ان يقولوا: لم توّبخنا على عبادتنا للاصنام والله الفاعل لذلك، فكانت تكون الحجة لهم لا عليهم.