الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } * { وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ } * { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } * { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ } * { أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ } * { فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ } * { فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } * { فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ }

هذا رجوع من الله تعالى إلى ذكر وصف نوح بأنه كان { من عبادنا المؤمنين } الذين يصدقون بتوحيد الله ووعده ووعيده وجميع أخباره. والعباد جمع عبد، وهو الذليل لملكه بالعبودية. والخلق كلهم عباد الله فمنهم عابد له ومنهم عابد لغيره تضييعاً منهم لحق نعمه وجهلا بما يجب له عليهم. والمؤمن هو المصدق بجميع ما اوجب الله عليه او ندبه اليه. وقال قوم: هو العامل بجميع ما أوجب الله عليه العامل بما يؤمنه من العقاب.

ثم اخبر تعالى انه أغرق الباقين من قوم نوح بعد إخلاصه نوحاً وأهله المؤمنين. ثم قال { وإن من شيعته لإبراهيم } فالشيعة الجماعة التابعة لرئيس لهم، وصاروا بالعرف عبارة عن شيعة علي عليه السلام الذين معه على اعدائه. وقيل من شيعة نوح إبراهيم يعني إنه على منهاجه وسنته في التوحيد والعدل واتباع الحق. وقال الفراء: معناه وإن من شيعة محمد صلى الله عليه وآله لابراهيم، كما قالأنا حملنا ذريتهم } أي ذرية من هو أب لهم، فجعلهم ذرية لهم وقد سبقوهم، وقال الحسن: معناه على دينه وشريعته ومنهاجه، قال الرماني: هذا لا يجوز، لانه لم يجر لمحمد ذكر، فهو ترك الظاهر، وقد روي عن اهل البيت عليهم السلام إن من شيعته علي لابراهيم. وهذا جائز إن صح الخبر المروي في هذا الباب، لأن الكناية عمن لم يجر له ذكر جائزة إذا اقترن بذلك دليل، كما قالحتى توارت بالحجاب } ولم يجر للشمس ذكر ويكون المعنى انه على منهاجه وطريقته في اتباع الحق والعدول عن الباطل، وكان ابراهيم وعلي عليهما السلام بهذه المنزلة.

وقوله { إذ جاء ربه بقلب سليم } معناه حين جاء إلى الموضع الذي أمره الله بالرجوع اليه بقلب سليم عن الشرك بريء من المعاصي في الوقت الذي قال لابيه وقومه حين رآهم يعبدون الاصنام من دون الله على وجه التهجين لفعلهم والتقريع لهم { ماذا تعبدون } أي ايّ شيء تعبدون من هذه الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، وقال لهم { أئفكاً آلهة دون الله تريدون } فالافك هو اشنع الكذب وأفظعه، والافك قلب الشيء عن جهته التي هي له، فلذلك كان الافك كذباً، وإنما جمع الآلهة مع أنه لا إله إلا إله واحد. على اعتقادهم في الالهية. وإن كان توهمهم فاسداً، لما اعتقدوا أنها تستحق العبادة، وكان المشركون قد اوغروا باتخاذ الآلهة إلى ان جاء دين الاسلام وبين الحق فيه وعظم الزجر.

وقوله { دون الله تريدون } معناه إنكم أتريدون عبادة آلهة دون عبادة الله، فحذف المضاف وأقام المضاف اليه مقامه، كما قالوسأل القرية } أي أهلها، لان الارادة لا تتعلق إلا بما يصح حدوثه. وهذه الاجسام ليست مما يحدث، فلا يصح إرادتها.

السابقالتالي
2 3