الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ } * { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } * { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } * { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } * { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } * { فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } * { ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } * { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ } * { إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ } * { فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ }

يقول الله تعالى في تمام الحكاية عن قول المؤمن للكافر { لمثل هذا } يعني لمثل ثواب الجنة ونعيمها { فليعمل العاملون } في دار التكليف، ويحسن من العامل أن يعمل العمل للثواب إذا أوقعه على الوجه الذي تدعو اليه الحكمة من وجوب او ندب، قال الرماني: ألا ترى أنه لو عمل القبيح ليثاب على ما تدعو اليه الحكمة لاستحق الثواب إذا خلص من الاحباط. وهذا الذي ذكره غير صحيح، لأن القبيح لا يجوز أن يستحق عليه الثواب على وجه وإن عرض في القبيح وجوه كثيرة من وجوه الحسن، فانه لا يعتد بها، فان علمنا في ما ظاهره القبيح أنه وقع على وجه يستحق فيه الثواب، علمنا انه خرج من كونه قبيحاً. ومثال ذلك إظهار كلمة الكفر عند الاكراه عليها او الانكار لكون نبي بحضرته لمن يطلبه ليقتله فان هذا وإن كان كذباً في الظاهر فلابد أن يوري المظهر بما يخرجه عن كونه كاذباً، ومتى لم يحسن التورية منع الله من إكراهه عليه. وفي الناس من يقول: يجب عليه الصبر على القتل، ولا يحسن منه الكذب، ومتى كان من يحسن التورية، ولم يور كان القول منه كذباً وقبيحاً ولا يستحق به الثواب، فاما الاكراه على أخذ مال الغير وإدخال ضرر عليه دون القتل، متى كان قد علمنا بالشرع وجوب فعل ذلك عند الاكراه أو حسنه علمنا انه خرج بذلك عن كونه قبيحاً وإن الله تعالى ضمن من العوض عليه ما يخرجه عن كونه قبيحاً، كما تقول: في ذبح البهائم، ومتى لم يعلم بالشرع ذلك، فانه يقبح إدخال الضرر على الغير واخذ ماله، فأما إدخال الضرر على الغير ونفسه ببذل مال او تحمل خراج ليدفع بذلك عن نفسه ضرراً أعظم منه، فانه يحسن، لانه وجه يقع على الاثم فيصير حسناً، وهذا باب احكمناه في كتاب الأصول. لا يحتمل هذا الموضع أكثر من هذا.

وقوله { أذلك خير نزلاً أم شجرة الزقوم } إنما جاز ذلك مع انه لا خير في شجرة الزقوم لامرين:

أحدهما - على الحذف بتقدير أسبب هذا الذي أدى اليه خير أم سبب أدى إلى النار، كأنهم قالوا هو فيه خير، لما عملوا ما أدى اليه. والنزل الفضل طعام له نزل، ونزل أي فضل وريع. وقيل: معناه خير نزلا من الانزال التي تقيم الابدان وتبقى عليها الأرواح و { الزقوم } قيل: هو ثمر شجرة منكرة جداً من قولهم يزقم هذا الطعام إذا تناوله على تكره ومشقة شديدة. وقيل: شجرة الزقوم ثمرة مرة خشنة منتنة الرائحة.

وقوله { إنا جعلناها فتنة للظالمين } معناه إنا جعلنا شجرة الزقوم محنة لشدة التعبد، وقال قتادة: لما نزلت هذه الآية قال المشركون: النار تحرق الشجرة، وكيف تنبت هذه في النار، فكان ذلك تغليظاً للمحنة، لانه يحتاج إلى الاستدلال على انه قادر لا يمتنع عليه أن يمنع النار من احراقها حتى تنبت الشجرة فيها.

السابقالتالي
2