الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ } * { فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ } * { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } * { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } * { بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } * { لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } * { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ عِينٌ } * { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } * { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ }

قرأ حمزة والكسائي وخلف { ينزفون } بكسر الزاي على اسناد الفعل اليهم الباقون بفتح الزاي - على ما لم يسم فاعله - ومن فتح فانه مأخوذ من نزف الرجل، فهو منزوف ونزيف، إذا ذهب عقله بالسكر، وانزف فهو منزف به إذا فنيت خمره، ويقال أنزف أيضاً إذا سكر.

لما استثنى الله تعالى من جملة من يعاقبهم من الكفار المخلصين الذين أخلصوا عبادتهم لله وحده، بين ما اعدّ لهم من انواع الثواب، فقال { أولئك لهم رزق معلوم } يعني عطاء جعل لهم التصرف فيه وحكم لهم به في الأوقات المستأنفة في كل وقت شيئاً معلوماً مقدراً. ثم فسر ذلك الرزق، فقال ذلك الرزق { فواكه } وهي جمع فاكهة وهي تكون رطباً ويابساً يتفكهون بها وينتفعون بالتصرف فيها { وهم } مع ذلك { مكرمون } أي معظمون مبجلون، وضد الاكرام الاهانة وهي الانتقام وهم مع ذلك { في جنات النعيم } أي بساتين فيها انواع النعيم التي يتنعمون بها { على سرر } وهو جمع سرير { متقابلين } يستمتع بعضهم بالنظر إلى وجوه بعض { يطاف عليهم بكأس من معين } أي بكأس من خمر جارية في أنهار ظاهرة للعيون - في قول الحسن وقتادة والضحاك والسدي - والكأس اناء فيه شراب. وقيل: لا يسمى كأساً إلا إذا كان فيه شراب وإلا فهو اناء.

وقوله { معين } يحتمل ان يكون (فعيلا) من العين، وهو الماء الشديد الجري من أمعن في الأمر إذا اشتد دخوله فيه ويحتمل ان يكون وزنه (مفعولا) من عين الماء لانه يجري ظاهراً للعين.

ثم وصف الخمر الذي في الكأس، فقال { بيضاء } ووصفها بالبياض لانها تجري في انهار كاشرف الشراب. وهي خمر فيها اللذة والامتاع فترى بيضاء صافية في نهاية الرقة واللطافة مع النورية التي لها والشفافة، لأنها على احسن منظر. مخبر. وقال قوم: بيضاء صفة للكأس، وهي مؤنثة. واللذة نيل المشتهى بوجود ما يكون به صاحبه ملتذاً. والشراب مأخوذ من الشرب.

وقوله { لا فيها غول } معناه لا يكون في ذلك الشراب غول أي فساد يلحق العقل خفياً، يقال: اغتاله اغتيالا إذا أفسد عليه أمره، ومنه الغيلة وهي القتل سرّاً. وقال ابن عباس { لا فيها غول } معناه لا يكون فيها صداع ولا أذى، كما يكون في خمر الدنيا، وقال الشاعر:
وما زالت الكأس تغتالنا   ونذهب بالاول الاول
هذا من الغيلة أي نصرع واحد بعد واحد { ولا هم عنها ينزفون } أي لا يسكرون والنزيف السكران، لانه ينزف عقله، قال الأبرد الرياحي:
لعمري لئن انزفتم او ضحوتم   لبئس التداني كنتم آل ابحرا
فالبيت يدل على ان أنزف لغة في نزف إذا سكر، لأنه جعله في مقابلة الصحو. ومن قرأ بالسكر فعلى معنى: إنهم لا ينزفون خمرهم أي لا يفنى عندهم.

السابقالتالي
2