الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ } * { إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ } * { ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ } * { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ } * { وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } * { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } * { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } * { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } * { لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { فَنَبَذْنَاهُ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ } * { وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ } * { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } * { فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ }

أخبر الله تعالى أن لوطاً كان من جملة من أرسله الله نبياً إلى خلقه داعياً لهم إلى طاعة الله ومنبهاً لهم على وجه وحدانيته، وإن قومه كذبوه وجحدوا نبوته فأهلكهم الله ونجا لوطاً وأهله اجمعين، واستثنى من جملة اهله الناجين { عجوزاً } أهلكها الله، لكونها على مثل ما كان قومه عليه { في الغابرين } أي في الباقين الذين اهلكوا، فالغابر الباقي قليلا بعد ما مضى، ومنه الغبار، لانه يبقى بعد ذهاب التراب قليلا. والتغبير التلحين لانه يبقى الصوت فيه بالترديد قليلا، ومنه قول الشاعر:
به غبر من دأبه وهو صالح   
ثم انه لما نجى لوطاً وأهله وخلصهم، دمر الآخرين من قومه. والتدمير الاهلاك على وجه التنكيل دمر عليهم إذا غير حالهم إلى حال التشويه، فالله تعالى اهلك قوم لوط بما أرسل عليهم من الحجارة، وبما فعل بهم من انقلاب قراهم.

وقوله { وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون } توبيخ من الله للكفار الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وآله وتعنيف لهم على ترك اعتبارهم وإيقاظهم بمواضع هؤلاء الذين أهلكهم الله ودمر عليهم مع كثرة مرورهم عليها صباحاً ومساء وليلا ونهاراً. وفي كل وقت. ومن كثر مرورهم بمواضع العبرة فلم يعتبر كان الوم ممن قل ذلك منه.

وقوله { أفلا تعقلون } معناه أفلا تتدبرون فتتفكرون في ما نزل بهؤلاء القوم من الكفر والضلال. وقيل: وجه القصص وتكريرها، كتشويق إلى مثل ما كانوا عليه من مكارم الاخلاق ومحاسن الأفعال وصرف الناس عن مساوي الاخلاق وقبائح الأفعال قال الشاعر:
تلك المكارم لاقعبان من لبن   شيبا بماء فعادا بعد ابوالا
ثم قال تعالى مخبراً عن يونس عليه السلام انه كان من جملة من أرسله الله إلى خلقه وجعله نبياً يدعو إلى توحيده وخلع الانداد دونه.

وقوله { إذ أبق إلى الفلك المشحون } معناه حين هرب إلى السفن المملوءة، فالاباق الفرار، فالآبق الفار إلى حيث لا يهتدي اليه طالبه يقال: أبق العبد يأبق أباقاً فهو آبق إذا فرّ من مولاه. والآبق والهارب والفار واحد. قال الحسن: فر من قومه { إلى الفلك المشحون } أي المحمل الموقر. وقوله { فساهم } قال ابن عباس معناه قارع، وهو قول السدي { فكان من المدحضين } قال مجاهد: يعني من المسهومين، والمساهمة المقارعة، فلما ساهم يونس قومه وقع السهم عليه، فالقي في البحر، فالتقمه الحوت، فكان من المدحضين، قال الحسن كان من المقروعين. وقيل: معناه فكان من الملقين في البحر، والدحض الزلق لأنه يسقط عنه المار فيه. ومنه قولهحجتهم داحضة } أي ساقطة، ودحض يدحض دحضاً فهو داحض، وأدحضته ادحاضاً، وقيل: كان يونس عليه السلام قد توعدهم بالعذاب ان أقاموا على ما هم عليه، فلما رأوا مخايل العذاب واماراته دعوا الله أن يكشف عنهم وتابوا اليه، فكشفه.

السابقالتالي
2 3