الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } * { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } * { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ } * { أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } * { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } * { فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

قرأ رويس { يقدر } بالياء وجعله فعلا مستقبلا. وقرأ الكسائي وابن عباس { فيكون } نصباً عطفاً على { أن نقول.... فيكون } الباقون بالرفع بتقدير، فهو يكون.

هذا خطاب من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله على وجه التسلية له عن تكذيب قومه إياه، فقال { فلا يحزنك قولهم } وضم الياء نافع، وحزن وأحزن لغتان. والحزن ألم القلب بما يرد عليه مما ينافي الطبع، ومثله الغم، وضده السرور والفرح والمعني في صرف الحزن عن النبي صلى الله عليه وآله في كفر قومه هو أن ضرر كفرهم عائد عليهم، لانهم يعاقبون به دون غيرهم. ثم قال { إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون } أي ما يظهرونه وما يبطنونه فنجازي كلاً منهم على قدره لا يخفى علينا شيء منها. ثم قال منبهاً لخلقه على الاستدلال على صحة الاعادة والنشأة الثانية، فقال { أولم ير الإنسان } ومعناه أولم يعلم { أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين } ومعناه إنا نقلناه من النطفة إلى العلقة ومن العلقة إلى المضغة ومن المضغة إلى العظم ومن العظم إلى أن جعلناه خلقاً سوياً وجعلنا فيه الروح وأخرجناه من بطن أمه وربيناه ونقلناه من حال إلى حال إلى أن كمل عقله وصار متكلماً خصيماً عليماً، فمن قدر على جميع ذلك كيف لا يقدر على الاعادة، وهي أسهل من جميع ذلك؟! ولا يجوز أن يكون خلق الانسان ولا خالق له، ولا أن يكون واقعاً بالطبيعة، لانها في حكم الموات في أنها ليست حية قادرة، ومن كان كذلك لا يصح منه الفعل ولا أن يكون كذلك بالاتفاق لان المحدث لا بد له من محدث قادر وإذا كان محكماً فلا بد من كونه عالماً.

وفي الآية دلالة على صحة استعمال النظر، لان الله تعالى أقام الحجة على المشركين بقياس النشأة الثانية على النشأة الأولى، وأنه يلزم من أقر بالأولى أن يقر بالثانية.

ثم حكى تعالى عن بعض الكفار انه { ضرب لنا } أي ضرب لله { مثلا ونسي خلقه } كيف كان في الابتداء { فقال من يحيي العظام وهي رميم } فقال قتادة، ومجاهد: كان القائل ابي بن خلف. وقال سعيد بن جبير: هو العاص بن وابل السهمي. وقال ابن عباس: هو عبد الله بن أبي ابن سلول. وقال الحسن: جاء أمية إلى النبي صلى الله عليه وآله بعظم بال قد بلي، فقال يا محمد أتزعم ان الله يبعث هذا بعدما بلي!. قال: نعم، فنزلت الآية. والرميم هو البالي، فقال الله تعالى في الرد عليه { قل } يا محمد لهذا المتعجب من الاعادة { يحييها الذي أنشأها أول مرة } لأن من قدر على الاختراع لما يبقى من غير تغيير عن صفة القادر، فهو على اعادته قادر لا محالة { وهو بكل خلق عليم } أي عالم بكل جنس من أجناس الخلق.

السابقالتالي
2