الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } * { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ } * { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } * { فَٱلْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } * { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ } * { لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } * { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } * { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } * { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو { في شغل } خفيفة. الباقون بضم الغين مثقلة، وهما لغتان. وقرأ ابو جعفر { فكهون } بغير ألف حيث وقع، وافقه حفص والداحوني عن ابن ذكوان في (المطففين). وقرأ اهل الكوفة إلا عاصما { في ظلل } على انه جمع ظلة مثل ظلمة وظلم وتحفة وتحف، الباقون { في ظلال } مثل برمة وبرام، وقلة وقلال. وقيل: هو جمع ظل وظلال، وهو الكن، كما قاليتفيؤ ظلاله } وقال ابو عبيدة: هو جمع الظل أظلال.

يقول الله تعالى مخبراً { ونفخ في الصور } وقيل: إن الصور قرن ينفخ فيه إسرافيل فيخرج من جوفه صوت عظيم يميل العباد اليه، لأنه كالداعي لهم إلى نفسه. وقال أبو عبيدة: الصور جمع صورة مثل بسرة وبسر، ولو جعلوه مثل (ظلمة، وظلم) لقالوا: صور بفتح الواو، وهو مشتق من الميل، صاره يصوره صوراً إذا أماله ومنه قولهفصرهن إليك } أي أملهن اليك ومنه الصورة، لأنها تميل إلى مثلها بالمشاكلة. وقوله { فإذا هم من الأجداث } وهو جمع جدث، وهو القبر، فلغة اهل العالية بالثاء، ولغة أهل السافلة بالفاء يقولون: جدف إلى ربهم ينسلون أي يسرعون والنسول الاسراع في الخروج كما قال الشاعر:
عسلان الذئب أمسى قارباً   برد الليل عليه فنسل
يقال: نسل ينسل وينسل نسولا، قال امرؤ القيس:
وإن تك قد ساءتك مني خليقة   فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
وقال قتادة: الموتة بين النفختين. ثم حكى ما يقول الخلائق إذا حشروا، فانهم { يقولون يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا } أي من حشرنا من منامنا الذي كنا فيه نياماً، ثم يقولون { هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون } في ما أخبرونا عن هذا المقام وعن هذا البعث. فان قيل: هذا ينافي قول المسلمين الذين يقولون: الكافر يعذب في قبره، لأنه لو كان معذباً لما كان في المنام!. قيل: يحتمل ان يكون العذاب في القبر ولا يتصل إلى يوم البعث، فتكون النومة بين الحالين. يحتمل لو كان متصلا أن يكون ذلك عبارة عن عظم ما يشاهدونه ويحضرون فيه يوم القيامة، فكأنهم كانوا قبل ذلك في مرقد، وإن كانوا في عذاب لما كان قليلا بالاضافة إلى الحاضر. وقال قتادة: قوله { هذا ما وعد الرحمن } حكاية قول المؤمن. وقال ابن زيد والجبائي: هو قول الكفار، وهو أشبه بالظاهر، لأنه تعالى حكى عنهم انهم يقولون: يا ويلنا، والمؤمن لا يدعو بالويل لعلمه بماله من نعيم الجنة. وقال الفراء: هو من قول الملائكة.

وقال تعالى مخبراً عن سرعة بعثهم وسرعة اجتماعهم { إن كانت إلا صيحة واحدة } والمعنى ليست المدة إلا مدة صيحة واحدة { فإذا هم جميع لدينا محضرون } ثم حكى تعالى ما يقوله - عز وجل - يومئذ للخلائق فانه يقول لهم { فاليوم لا تظلم نفس شيئاً } أي لا ينقص من له حق من حقه شيئاً من ثواب او عوض او غير ذلك، ولا يفعل به مالا يستحقه من العقاب بل الامور جارية على العدل { ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون } ومعناه لا يجازى الانسان إلا على قدر عمله، إن كان عاملا بالطاعة جوزي بالثواب.

السابقالتالي
2