الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } * { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } * { وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلْعُيُونِ } * { لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ }

قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة { لما } بتشديد الميم، الباقون بتخفيفها. وقرأ اهل المدينة { الميتة } بالتشديد، لأنه يقال: لما كان حياً ومات ميت بالتشديد، ولما لم يكن حياً بالتخفيف - ذكره الفراء - وقرأ اهل الكوفة إلا حفصاً { وما عملت } بغير هاء. الباقون بالهاء. من قرأ { لما } بالتخفيف فانه يكون (ما) في قوله { لما } صلة مؤكدة، وتكون { إن } هي المخففة من الثقيلة وتقديره، وإن كل لجميع لدينا محضرون، ومن قرأ بالتشديد يحتمل شيئين:

احدهما - ان يكون بمعنى (إلا) وتقديره وان كل إلا لجميع لدينا محضرون وتكون { إن } بمعنى الجحد، وكأنه جحد دخل على جحد، فخرج إلى معنى الاثبات. ومثله في الاستعمال سألتك لما فعلت، بمعنى الا فعلت.

والوجه الثاني - أن يكون معنى { لما } بمعنى (لمن ما) فحذفت احدى الميمات، لاجل التضعيف كما قال الشاعر:
غداة طفت علماء بكر بن وائل   وعجنا صدور الخيل نحو تميم
اراد على الماء، فحذف لالتقاء المضاعف، وأما (ما) في قوله { وما عملت أيديهم } يحتمل ثلاثة اوجه:

احدها - ان يكون بمعنى الجحد وتقديره ليأكلوا من ثمره، ولم تعمله أيديهم، ويقوى ذلك قولهأفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون } والثاني - ان يكون بمعنى الذي.

والثالث - ان يكون مع ما بعده بمعنى المصدر، فعلى هذا يكون في موضع جر، وتقديره ليأكلوا من ثمره ومن الذي عملته او من عمل ايديهم من انواع الطعوم الذي أنبتوه، والذى غرسوه، ومن الذي يطحنونه ويخبزونه، فمن أثبت الهاء او حذفها تبع المصاحف، لان المصاحف مختلفة. والهاء عائدة على (ما) و (عملت) صلتها. ومن حذف اختصر، لأنها للمفعول به، وكل مفعول يجوز حذفه، كقولهما ودعك ربك وما قلى } يريد وما قلاك ومثلهمنهم من كلم الله } يريد كلمه الله، وكقولهأهذا الذى بعث الله رسولا } يريد بعثه الله.

يقول الله تعالى منبهاً للكفار على وجه الاستدلال على وحدانيته بأن يقول { ألم يروا } ومعناه ألم يعلم هؤلاء الكفار { كم أهلكنا قبلهم من القرون } فمعنى { كم } ها هنا للتكثير، ويفسرها { من القرون } وتقديره ألم يروا كم قرناً أهلكنا قبلهم من القرون، وموضع { كم } نصب بـ { يروا } - في قول الكوفيين، وعند البصريين بـ { أهلكنا } على تقدير القرون اهلكنا او اكثر { أنهم إليهم لا يرجعون } ونصب { أنهم } لأنه مفعول { ألم يروا } وكسره الحسن على وجه الاستئناف، ووجه الاحتجاج بذلك هو انه قيل لهم: انظروا لم لا يرجعون فانكم تجدون ذلك في قبضة مالكهم يردهم في الآخرة إذا شاء ردهم، لأنه لا يخلو إهلاكهم اما بالاتفاق من غير اضافة او بالطبيعة او بحي قادر، ولو كان بالاتفاق او بالطبيعة لم يمتنع ان يرجعوا إلى الدنيا، فاذا بطل ذلك، ثبت أن إهلاكهم بحي قادر إذا شاء ردهم وإذا شاء لم يردهم.

السابقالتالي
2