الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } * { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ } * { إِنِّيۤ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ } * { قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ } * { بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ } * { وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } * { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } * { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }

قرأ ابوا جعفر { إن كانت إلا صيحة } بالرفع في الموضعين جعلها اسم (كان). الباقون بالنصب على انها خبر كان.

لما حكى الله تعالى ما قال لهؤلاء الكفار الرجل الذي جاءهم من اقصى المدينة وأمرهم بأن يتبعوا الرسل قال لهم ايضاً { اتبعوا } معاشر الكفار { من لا يسألكم أجراً } أي لا يطلب الأجر والجزاء والمكافأة على ما يدعوكم اليه ويحثكم عليه، وإنما يدعوكم نصيحة لكم { وهم } مع ذلك { مهتدون } إلى طريق الحق سالكون سبيله. ثم قال لهم الذي وعظهم وحثهم على طاعة الله واتباع رسله { وما لي لا أعبد الذي فطرني } ومعناه ولم لا أعبد الله واتبع رسله، ومالي لا أعبد الذي فطرني، ومعناه ولم لا أعبد الله الذي خلقني وابتداني وهداني { وإليه ترجعون } أي الذي تردون اليه يوم القيامة حيث لا يملك الأمر والنهي غيره. ثم قال لهم منكراً على قومه عبادتهم غير الله { أأتخذ } أنا على قولكم { من دون الله } الذي فطرني وأنعم علي { آلهة } اعبدهم؟! فهذه همزة الاستفهام والمراد بها الانكار، لانه لا جواب لها على اصلهم إلا ما هو منكر في العقول ثم قال { إن يردني الرحمن بضر } معناه ان أراد الله إهلاكي والاضرار بي لا ينفعني شفاعة هذه الآلهة شيئاً، ولا يقدرون على انقاذي من ذلك الضرر. ولا يغنون عني شيئاً في هذا الباب. وإذا كانوا بهذه الصفة كيف يستحقون العبادة؟! ثم قال { إني إذاً لفي ضلال مبين } أي إذاً لو فعلت ما تفعلونه وتدعون اليه من عبادة غير الله أكن في عدول عن الحق. والوجه في هذا الاحتجاج أن العبادة لا يستحقها إلا من أنعم بأصول النعم ويفعل من التفضل ما لا يوازيه نعم منعم، فاذا كانت هذه الاصنام لا يصح فيها ذلك كيف تستحق العبادة؟!

ثم قال مخبراً عن نفسه مخاطباً لقومه { إني آمنت } أي صدقت { بربكم } الذي خلقكم وأخرجكم من العدم إلى الوجود { فاسمعون } مني هذا القول. وقيل: انه خاطب الرسل بهذا القول ليشهدوا له بذلك عند الله. وقال ابن مسعود: إن قومه لما سمعوا منه هذا القول وطؤه بأرجلهم حتى مات. وقال قتادة: رجموه حتى قتلوه. وقال الحسن: لما أراد القوم أن يقتلوه رفعه الله اليه فهو في الجنة، ولا يموت إلا بفناء السماء وهلاك الجنة. قال مجاهد: مثل ذلك. وقالا الجنة التي دخلها يجوز هلاكها. وقال قوم: إنهم قتلوه إلا أن الله أحياه وادخله الجنة وقال الحسن { من بعده } يعني من بعد رفعه. وقال غيره: من بعد قتله.

ثم حكى الله تعالى ما يقول الملائكة لهذا الداعي من البشارة له بعد موته فانهم يقولون له { ادخل الجنة } مثاباً مستحقاً للثواب الجزيل على إيمانك بالله فيقول حينئذ { يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي } من الذنوب { وجعلني من المكرمين } عنده.

السابقالتالي
2