الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ } * { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } * { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } * { ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ }

قرأ ابو عمرو { يدخلونها } بضم الياء على ما لم يسم فاعله ليشاكل قوله تعالى { يحلون }. الباقون بفتح الياء، لانهم إذا أدخلوها فقد دخلوها، والمعنيان متقاربان.

يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله { والذي أوحينا إليك } يا محمد وأنزلناه عليك { من الكتاب } يعني القرآن { هو الحق } معناه هو الصحيح الذي معتقده على ما هو به. وضده الباطل، وهو ما كان معتقده لا على ما هو به. والعقل يدعو إلى الحق ويصرف عن الباطل، وقوله { مصدقاً لما بين يديه } معناه مصدقاً لما قبله من الكتب بأنه جاء موافقاً لما بشرت به تلك الكتب من حاله وحال من أتى به. ثم قال { إن الله } تعالى بعباده { لخبير } أي عالم بهم { بصير } بأحوالهم لا يخفى عليه شيء منها فيجازيهم على استعمال الحق بالثواب وعلى استعمال الباطل بالنار. ثم قال { ثم أورثنا الكتاب } يعني القرآن أورثناه من أصطفيناه من عبادنا. ومعنى الارث انتهاء الحكم اليه ومصيره لهم، كما قال تعالىوتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون } وقيل المراد أورثناهم الايمان بالكتب السالفة وكان الميراث انتقال الشيء من قوم إلى قوم. والأول أصح. والاصطفاء الاختيار باخراج الصفوة من العباد، فاصطفى الله المؤمن يحمل على ثلاث طبقات مؤمن ظالم لنفسه بفعل الصغيرة، ومقتصد بالطاعات في المرتبة الوسطى، وسابق بالخيرات في الدرجة العليا، وهم الذين لم يرتكبوا شيئاً من المعاصي، وكل وعد الله الحسنى، والذين اصطفاهم الله وأورثهم الكتاب قيل: هم الانبياء فمنهم ظالم لنفسه يعني أصحاب الصغائر. وقيل: هم اصحاب النار، هذا من قول من أجاز على الانبياء الصغائر دون الكبائر، فأما من لا يجوز عليهم شيئاً من المعاصي أصلاً لا صغيرة ولا كبيرة يقول: معنى الآية إن الله تعالى أورث علم الكتاب الذي هو القرآن الذين اصطفاهم واجتباهم واختارهم على جميع الخلق من الانبياء المعصومين، والأئمة المنتجبين الذين لا يجوز عليهم الخطأ ولا فعل القبيح لا صغيراً ولا كبيراً، ويكون قوله { فمنهم ظالم لنفسه } راجعاً إلي (عباده) وتقديره فمن عبادنا ظالم لنفسه، ومن عبادنا مقتصد، ومن عبادنا سابق بالخيرات، لأن من اصطفاه الله لا يكون ظالماً لنفسه، فلا يجوز أن ترجع الكناية إلى الذين اصطفينا وقوله { بالخيرات } يعني يعلم من اقتصد او ظلم نفسه أو سبق بالخيرات.

ثم قال { ذلك هو الفضل الكبير } يعني السبق بالخيرات هو الفضل العظيم الذي لا شيء فوقه. وقال ابن عباس: الذين أورثهم الله الكتاب هم أمة محمد، ورثهم الله كل كتاب أنزله، فظالمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسبهم حساباً يسيراً وسابقهم يدخلون الجنة بغير حساب. وقال ابن مسعود - بذلك - وكعب الاحبار.