الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } * { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } * { وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ } * { وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ } * { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي ٱلْقُبُورِ } * { إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ }

ست آيات حجازي وكوفي وخمس آيات شامي واربع آيات بصري عد الحجازيون والكوفي والشامي { البصير } و { النور } ولم يعده البصري وعد الحجازيون والعراقيون { القبور } ولم يعده الشامي.

يقول الله تعالى مخبراً حسب ما تقتضيه حكمته وعدله أنه { لا تزر وازرة وزر أخرى } معناه أنه لا تحمل حاملة حمل أخرى من الذنب، والوزر الثقل، ومنه الوزير لتحمله ثقل الملك بما يتحمله من تدبير المملكة، وتقديره أنه لا يؤاخذ احد بذنب غيره، وإنما يؤاخذ كل مكلف بما يقترفه من الاثم.

وقوله { وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى } معناه وإن تدع مثقلة بالآثام غيرها لتحمل عنها بعض الاثم لا يحمل عنها شيئاً من آثامها، وإن كان أقرب الناس اليها، لما في ذلك من مشقة حمل الآثام ولو تحملته لم يقبل تحملها، لما فيه من مجانبة العدل ومنافاته له، فكل نفس بما كسبت رهينة، لا يؤاخذ أحد بذنب غيره، ولا يؤخذ إلا بجنايته.

وقوله { إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب } معناه ليس ينتفع بتخويفك يا محمد إلا الذين يخافون ربهم في غيبتهم وخلواتهم فيجتنبون معاصيه في سرهم ويصدقون بالآخرة.

وقوله { وأقاموا الصلاة } قال ابو عبيدة في مجازه: اي ويقيمون، فوقع الماضي مقام المستقبل، والمعنى يديمون فعلها ويقومون بشرائطها. وإنما عطف الماضي على المستقبل إشعاراً باختلاف المعنى، لان الحسنة لازمة في كل وقت والصلاة لها اوقات مخصوصة، واضاف الانذار إلى الذين يخشون ربهم من حيث كانوا هم المنتفعون بها، وإن كان النبي صلى الله عليه وآله ينذر كل مكلف.

ثم قال { ومن تزكى } أي فعل الطاعات وقام بما يجب عليه من الزكاة وغيرها من الواجبات فانما يتزكى لنفسه، لان ثواب ذلك ونفعه عائد عليه. وقوله { وإلى الله المصير } معناه يرجع الخلق كلهم إلى حيث لا يملك الأمر والنهي إلا الله، فيجازي كل مكلف على قدر عمله. وقوله { وما يستوي الأعمى والبصير } معناه لا يتساوى الأعمى عن طريق الحق والعادل عنها، والبصير الذي يهتدي إليها قط، لأن الأول يستحق العقاب، والثاني يستحق الثواب { ولا الظلمات ولا النور } يعني وكذلك لا يستوي المؤمن والكافر والمطيع والعاصي فشبه الايمان بالنور والكفر بالظلمات، وكذلك لا يستوي { الظل ولا الحرور } فالظل هو الستر عن موقع الشمس ومنه الظلة، وهي السترة عن موقع الشمس، ومنه قولهم: ظل يفعل كذا إذا فعل نهاراً في الوقت الذي يكون للشمس ظل، والحرور السموم وهو الريح الحارة في الشمس، وقال الفراء: الحرور يكون بالليل والنهار والسموم لا يكون إلا بالنهار. وقيل: الظل الجنة والحرور النار { وما يستوي الأحياء ولا الأموات } أي هما ايضاً لا يتساويان ولا يتماثلان، فالاسواء حصول أحد الشيئين على مقدار الآخرة، ومنه الاستواء في العود والطريق خلاف الاعوجاج، لممره على مقدار أوله من غير انعدال.

السابقالتالي
2