الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } * { وَقَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } * { وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } * { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ }

قرأ حمزة والكسائي وابو عمرو { التناؤش } بالهمز. الباقون بغير همز.

يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله { ولو ترى } يا محمد { إذ فزعوا } من العذاب يوم القيامة { فلا فوت } أى لا مهرب ولا يفوتونه. فالفوت خروج وقت الشيء كفوت الصلاة، وفوت وقت التوبة وفوت عمل اليوم بانقضائه.

والفزع والجزع والخوف والرعب واحد. والفزع يتعاظم في الشدة بحسب اسبابه وقوله { وأخذوا من مكان قريب } قال ابن عباس والضحاك: أخذوا من عذاب الدنيا. وقال الحسن: حين يخرجون من قبورهم. وقيل: من بطن الارض إلى ظهرها. والمعنى انهم اذا بعثوا من قبورهم، ولو ترى فزعهم يا محمد حين لا فوت ولا ملجأ. وجواب (لو) محذوف، والتقدير لرأيت ما تعتبر به عبرة عظيمة. وقوله { وقالوا آمنا به } أى يقولون ذلك الوقت آمنا به وصدقنا به. فقال تعالى { وأنى لهم التناوش من مكان بعيد } قيل: معناه بفوتهم تناول التوبة في الآخرة إلى الدنيا، والتناوش التناول من قولهم نشته أنوشه اذا تناولته من قريب قال الشاعر:
فهي تنوش الحوض نوشاً من علا   نوشا به تقطع اجواز الفلا
وتناوش القوم اذا دنا بعضهم إلى بعض، ولم يلتحم بينهم قتال، وقد همز بعضهم، فيجوز أن يكون من هذا، لأن الواو اذا انضمت همزت كقوله { أقتت } ويجوز أن يكون من النش وهو الابطاء، وانتاشه اخذ به من مكان بعيد، ومثله نأشه قال الشاعر:
تمنى نئيشاً أن يكون اطاعني   وقد حدثت بعد الأمور امور
وقال رؤبة:
اقحمني جار ابي الجاموش   اليك نأش القدر المنؤش
{ وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد } معناه كيف تقبل توبتهم أو يردون إلى الدنيا، وقد كفروا بالله ورسله من قبل ذلك، وهو قوله { بالغيب من مكان بعيد } يعني قولهم هو ساحر وهو شاعر وهو مجنون. وقيل: هو قولهم لا بعث ولا جنة ولا نار - ذكره قتادة - وقال البلخي: يجوز ان يكون اراد انهم يفعلون ذلك بحجة داحضة وأمر بعيد. وقال قوم: يقذفون بالظن ان التوبة تنفعهم يوم القيامة عن مكان بعيد الا ان في العقل انها لا تقبل. ثم قال { وحيل بينهم وبين ما يشتهون } أى فرق بينهم وبين شهواتهم، من قبول توبتهم وايصالهم إلى ثواب الجنة أو ردهم إلى دار الدنيا { كما فعل } مثل ذلك { باشياعهم من قبل } وهو جمع الجمع تقول شيعة وشيع واشياع، ولان أشياعهم تمنوا أيضاً مثل ذلك فحيل بينهم وبين تمنيهم، ثم اخبر { إنهم كانوا في شك من ذلك } في الدنيا { مريب } والريب أقبح الشك الذى يرتاب به الناس.

وقال سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير قوله { ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت } نزلت في الجيش الذى يخسف بهم بالبيداء فيبقى رجل يخبر الناس بما رآه، ورواه حذيفة عن النبي صلى الله عليه وآله.