الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } * { فَٱلْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ وَقَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَمَآ آتَيْنَاهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ } * { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }

لما حكى الله تعالى انه يقول للملائكة إن هؤلاء الكفار إياكم كانوا يوجهون عبادتهم، حكى ما يجيب به الملائكة، فانهم يقولون { سبحانك أنت ولينا } تنزيهاً لك أن نعبد سواك، ونتخذ معك معبوداً غيرك، ويقولون: أنت يا ربنا ولينا أي ناصرنا وأولى بنا { من دونهم } يعني دون هؤلاء الكفار ودون كل احد وأنت الذي تقدر على ذلك من دونهم، فما كنا نرضى بعبادتهم مع علمنا بأنك ربنا وربهم، ما أمرناهم بهذا ولا رضينا به لهم { بل كانوا يعبدون الجن } بطاعتهم إياهم في ما يدعونهم اليه من عبادة الملائكة. وقيل: انهم صوّروا لهم صورة قوم من الجن، وقالوا هذه صورة الملائكة فاعبدوها، وهم وإن عبدوا الملائكة، فان الملائكة لم يرضوا بعبادتهم إياهم ولا دعوهم اليها، والجن دعوهم إلى عبادتهم ورضوا به منهم فتوجه الذم إلى العابد والمعبود، وفي الملائكة لا يستحق الذم غير العابد، فلذلك أضرب عن ذكر الملائكة.

ثم حكى تعالى ما يقول للكفار يوم القيامة، فانه يقول لهم { فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعاً ولا ضرّاً } ولا يقدر على ذلك { ونقول للذين ظلموا } نفوسهم بارتكاب المعاصي { ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون } أي تجحدونه، ولا تعترفون به. ثم عاد تعالى إلى الحكاية عن حال الكفار في الدنيا فقال { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } أي تقرأ عليهم حججنا واضحات من القرآن الذي أنزله على نبيه { قالوا } عند ذلك { ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد أباؤكم } أي يمنعكم عن عبادة ما كان يعبده أباؤكم { وقالوا } أيضاً { ما هذا } القرآن { إلا إفك مفترى } يعني كذب تخرصه وافتراه { وقال الذين كفروا للحق } يعني القرآن { لما جاءهم إن هذا } أي ليس هذا { إلا سحر مبين } أي ظاهر. والسحر حيلة خفية توهم المعجزة.

ثم قال تعالى { وما آتيناهم من كتب يدرسونها } قال الحسن: معناه ما آتيناهم من كتب قبل هذا الكتاب، فصدقوا به وبما فيه ان هذا كما زعموا { وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير } ويجوز ان يكون المراد وما أرسلنا اليهم قبلك يا محمد من نذير إلا وفعلوا به وقالوا له مثل ما قالوا لك، وحذف لدلالة الكلام عليه، وذلك عليه بقوله { وكذب الذين من قبلهم } بما أتاهم الله من الكتب، وبما بعث اليهم من الرسل { وما بلغوا } أي وما بلغ هؤلاء { معشار ما آتيناهم } أولئك الكفار، قال الحسن: معنى معشار أي عشر، والمعنى ما بلغ الذين ارسل اليهم محمد صلى الله عليه وآله من اهل مكة عشر ما اوتي الأمم قبلهم من القوة والعدة - في قول ابن عباس وقتادة - { فكذبوا رسلي } أي كذبوا بآيات الله وجحدوا رسله { فكيف كان نكير } أي عقوبتي وتغييري لان الله أهلكهم واستأصلهم وهو نكير الله تعالى في الدنيا.