الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ } * { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ } * { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } * { قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

قرأ ابو عمر وحمزة والكسائي وخلف، والاعشى والبرجي عن أبي بكر { أذن له } بضم الهمزة، الباقون بفتحها. وقرأ ابن عامر ويعقوب { فزع } بفتح الفاء والزاي. الباقون { فزع } بضم الفاء وكسر الزاي. فمن فتح الهمزة من { أذن } فمعناه أذن الله له، ومن ضمها جعله لما لم يسم فاعله، يقال: أذنت للرجل في ما يفعله اي اعلمته وأذنته أيضاً، وأذن زيد إلى عمرو، إذا استمع اليه. روي في الحديث ما أذن الله لشيء قط كأذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن. ومثل ذلك القول في فزع عن قلوبهم، ومعنى فزع. قال ابو عبيدة: فزع عن قلوبهم نفس عنها. وقال ابو الحسن: المعنى حكى عنها. وقال ابو عبيدة: معناه أذهب، وقال قوم: الذين فزع عن قلوبهم الملائكة، ويقال: فزع وفزع إذا أزيل الفزع عنها، ومثله جاء في (افعل) يقولون: أشكاه إذا أزال عنه ما يشكو منه انشد ابو زيد:
تمد بالاعناق او تلويها   وتشتكي لو أننا نشكيها
والمعنى فلما ان اشكيت أزالت الشكوى، كذلك فزع وفزع أزال الفزع وقال قتادة: معنى فزع عن قلوبهم خلا من قلوبهم، قال يوحي الله تعالى إلى جبرائيل فيعرف الملائكة، ويفزع عن أن يكون شيء من امر الساعة، فاذا (خلا عن قلوبهم) وعلموا أن ذلك ليس من امر الساعة { قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق } وتقديره قالوا قال الحق. فمن قرأ بفتح الفاء أسند الفعل إلى الله، ومن ضمها بنى الفعل للمفعول به، وكان الجار والمجرور في موضع رفع. وقال الحسن: فزع بمعنى كشف الفزع عن قلوبهم، وفزعت منه، والمفزع على ضربين: احدهما - من ينزل به الافزاع. الثاني - من يكشف عنه الفزع. وقوله { وفزع } له معنيان احدهما بمعنى ذعر، والثاني - ازال الفزع وقال اليربوعي:
حللنا الكثيب من زرود لنفزعا   
أي لنغيث. لما اخبر الله تعالى ان إبليس صدق ظنه في الكفار باجابتهم له إلى ما دعاهم اليه من المعاصي بين انه لم يكن لابليس عليهم سلطان. و (من) زائدة تدخل مع النفي نحو قولهم ما جاءني من احد. والسلطان الحجة، فبين بهذا ان الشيطان لم يقدر على اكثر من أن يغويهم ويوسوس اليهم ويزين لهم المعاصي، ويحرضهم عليها. وقوله { إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك } تقديره إنا لم نمكنه من اغوائهم ووسوستهم إلا لنميز من يقبل منهم ومن يمتنع ويأبى متابعته، فنعذب من تابعه ونثيب من خالفه، فعبر عن تمييزه بين الفريقين بالعلم، وهو التمييز مجرداً، لأنه لا يكون العذاب والثواب إلا بعد وقوع ما يستحقون به ذلك، فأما العلم، فالله تعالى عالم بأحوالهم، وما يكون منها في ما لم يزل، وقيل: إن معناه إلا لنعلم طاعاتهم موجودة او عصيانهم إن عصوا فنجازيهم بحسبها، لأنه تعالى لا يجازي احداً على ما يعلم من حاله إلا بعد ان يقع منهم ما يستحق به من ثواب او عقاب، وقيل: معناه إلا لنعامل معاملة من كأنه لا يعلم، وانما نعمل لنعلم { من يؤمن بالآخرة } أي من يصدق بها ويعترف ممن يشك فيها ويرتاب.

السابقالتالي
2 3