الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ } * { ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } * { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ } * { فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } * { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قرأ ابو عمرو { ذواتي أكل خمط } مضافاً. الباقون { أكل خمط } منوناً. والاختيار عندهم التنوين، لأن الأكل نفس الخمط والشيء لا يضاف إلى نفسه، ومن أضاف قال (الخمط) هو جنس مخصوص من المأكولات، والأكل أشياء مختلفة فأضيفت إلى الخمط، كما تضاف الأنواع إلى الاجناس، والخمط ثمر الاراك وهو البربر أيضاً، واحدها بربرة وسميت به جارية عائشة. والبربر شجر السواك و (الأثل) شجر، واحدها أثلة.

وقرأ اهل الكوفة إلا أبا بكر { وهل نجازي } بالنون { إلا الكفور } نصباً أضافوا الفعل إلى الله تعالى. الباقون - بالياء - على ما لم يسم فاعله { الكفور } بالرفع، وقرأ ابو عمرو وابن كثير { بعد بين أسفارنا } بالتشديد من التبعيد. الباقون { باعد } من المباعدة على لفظ الأمر، إلا يعقوب، فانه قرأ { باعد } على لفظ الخبر، لانهم لما سألوا أن يبعد الله بينهم، ففعل ذلك بينهم جاز حينئذ الاخبار بأنه تعالى فعل ذلك. وقرأ اهل الكوفة { ولقد صدق } بتشديد الدال. الباقون بتخفيفها.

لما اخبر الله سبحانه عن " سبأ " وهي القبيلة من اليمن انه أنعم عليهم بالجنتين وبالبلدة الطيبة، وأمرهم بشكر نعمه { فأعرضوا } عن ذلك، فلم يشكروه وكفروه وجحدوا نعمه، ولم يقبلوا ممن دعاهم إلى الله من أنبيائه ورسله جازاهم الله على ذلك بأن ارسل عليهم سيل العرم، وسلبهم تلك النعمة وانزل بهم البلية، فالسيل الماء الكثير الذي لا يمكن ضبطه ولا دفعه، وقيل: انه كانت تجتمع مياه وسيول في هذا الوادي فسدوه بين جبلين بالحجارة والقار وجعلوا له ابواباً يأخذون منه ما شاءوا، فلما تركوا أمر الله بعث عليهم جرذاً فنقبه فأغرق الله عليهم جنتهم وأفسد ارضهم. وقيل: العرم: ماء كثير ارسله الله في السد فشقه وهدمه. قال الراجز:
اقبل سيل جاء من أمر الله   يحرد حرد الجنة المغله
وقيل: ان العرم المسناة التي تحبس الماء، واحدها عرمة وهو مأخوذ من عرامة الماء وهو ذهابه كل مذهب، قال الاعشى:
ففي ذاك للمؤتسي اسوة   ومأرب قفى عليه العرم
رجام بنته لهم حمية   إذا جاء ماؤهم لم ترم
وقيل: كان سببه زيادة الماء حتى غرقوا. وقيل: كان سببه نقب جرذ نقب عليهم السكر. وقيل العرم السكر. وقيل المطر الشديد. وقيل هو اسم وادي وقيل: هو الجرذ الذي نقب السكر، قال كثير:
ايادي سبا يا عزّ ما كنت بعدكم   فلم يحل للعينين بعدك منظر
وقال آخر:
من صادر او وارد ايدي سبا   
وقال جرير:
الواردون وتتم في ذرى سبأ   قد عض اعناقهم جلد الجواميس
ثم قال { وبدلناهم بجنتيهم } التي فيها أنواع الفواكه والخيرات { جنتين } أخراوين وسماها جنتين لازدواج الكلام، كما قالومكروا ومكر الله } ويخادعون الله وهو خادعهم } { ذواتي أكل خمط } أي صاحبتي خمط فالاكل جني الثمار الذي يؤكل، والخمط نبت قد أخذ طعماً من المرارة حتى لا يمكن أكله - في قول الزجاج - وقال ابو عبيدة هو كل شجر ذي شوك.

السابقالتالي
2