الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } * { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } * { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ }

خمس آيات شامي، لانهم عدوا { عن يمين وشمال } وأربع في ما عداه، لانهم لم يعدوا ذلك.

قرأ نافع { من ساته } بغير همز. الباقون { من سأته } بالهمزة. وقرأ الكسائي وحده { مسكنهم } بكسر الكاف. وقرأ حمزة بفتحها. الباقون { مساكنهم } على الجمع. ونصب الريح في قوله { ولسليمان الريح } على تقدير: وسخرنا لسليمان الريح. وقرأ ابو بكر عن عاصم بضم الحاء، والمعنى في ذلك أنه اضاف الريح اليه إضافة الملك يصرفه كيف شاء. وقوله { غدوها شهر ورواحها شهر } قال قتادة: كان مسيرها به إلى انتصاف النهار مقدار مسير شهر { ورواحها شهر } من انتصاف النهار إلى الليل - في مقدار مسير شهر - وقال الحسن كان يغدو من الشام إلى بيت المقدس، فيقيل باصطخر من ارض اصبهان ويروح منها، فيكون بكابل.

وقوله { وأسلنا له عين القطر } قال ابن عباس وقتادة: أذبنا له النحاس والقطر النحاس. ثم قال { ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه } أي بأمر الله { ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير } معناه من يعدل من هؤلاء الجن الذين سخرناهم لسليمان حتى يعملوا بين يديه عما أمرهم الله به من طاعته { نذقه من عذاب السعير } يعني عذاب النار تقول: زاغ يزيغ زيغاً وأزاغه إزاغة.

ثم اخبر تعالى ان الجن الذين سخرهم الله لسليمان { يعملون له ما يشاء من محاريب } قيل: معناه شريف البيوت. وقال قتادة: قصور ومساجد، قال المبر: لا يسمى محراباً إلا ما يرتقى اليه بدرج، لقولهإذ تسوروا المحراب } قال عدى بن زيد:
كدمي العاج في المحاريب أو كالـ   ـبيض في الروض زهره مستنير
وقال وضاح اليمن:
ربة محراب إذا جئتها   لم القها أو ارتقي سلما
و { تماثيل } جمع تمثال وهو صورة. فبين أنهم كانوا يعملون أي صورة أرادها سليمان. وقال قوم: كانوا يعملون له صورة الملائكة. وقال آخرون: كانوا يعملون له صورة السباع والبهائم على كرسيه ليكون أهيب له، فذكر أنهم صوروا أسدين وفوق عمودي الكرسي نسرين، فكان إذا أراد صعود الكرسي بسط له الأسد ذراعه، فاذا علا فوق الكرسي نشر النسران جناحيهما، فظللا عليه لئلا يسقط عليه شيء من الشمس، ويقال: إن ذلك ممالا يعرفه أحد من الناس، فلما حاول بخت نصر صعود الكرسي بعد سليمان حين غلب على بني إسرائيل لم يعرف كيف كان يصعد سليمان، فرفع الأسد ذراعه فضرب ساقه فقدها فوقع مغشياً عليه، فما جسر أحد بعده أن يصعد على ذلك الكرسي.

{ وجفان كالجواب } واحدها جفنة وهي القصعة الكبيرة، والجوابي جمع جابية، وهي الحوض الذي يجئ الماء فيه، قال ابو علي النحوي: إثبات الياء مع الألف واللام أجود، وحذفها يجوز، وقال الاعشى في جفنة:

السابقالتالي
2