الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } * { يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } * { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } * { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

امر الله تعالى المصدقين بوحدانيته المقرين بنبوة نبيه بأن يتقوا عقابه باجتناب معاصيه وفعل واجباته وأن يقولوا { قولاً سديداً } أي صواباً بريئاً من الفساد خالصاً من شائب الكذب والتمويه واللغو. وقوله { يصلح لكم أعمالكم } جزم بأنه جواب للأمر، وفيه معنى الجزاء. وتقديره: إن فعلتم ما امرتكم به يصلح لكم اعمالكم. وإصلاحه أعمال العباد أن يلطف لهم فيها حتى تستقيم على الطريقة السليمة من الفساد، وذلك مما لا يصح إلا في صفات الله تعالى، لانه القادر الذي لا يعجزه شيء العالم الذي لا يخفى عليه شيء { ويغفر لكم ذنوبكم } قيل: إنما وعد الله بغفران الذنوب عند القول السديد، ولم يذكر التوبة، لأن التوبة داخلة في الاقوال السديدة، كما يدخل فيه تجنب الكذب في كل الأمور فيدخل فيه الدعاء إلى الحق وترك الكفر والهزل واجتناب الكلام القبيح.

ثم قال { ومن يطع الله ورسوله } في ما أمراه به ونهياه عنه ودعواه اليه { فقد فاز فوزاً عظيماً } أي افلح فلاحاً عظيماً، لأنه يفوز بالجنة، والثواب الدائم. وقيل: معناه فقد ظفر بالكرامة من الله والرضوان، وهو الفوز العظيم.

ثم اخبر تعالى بأنه عرض الأمانة على السموات والأرض، فالامانة هي العقد الذي يلزم الوفاء به مما من شأنه أن يؤتمن على صاحبه، وقد عظم الله شأن الأمانة في هذه الآية وأمر بالوفاء بها، وهو الذي امر به في اول سورة المائدة وعناه بقوله { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } وقيل في قوله { عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال } مع أن هذه الاشياء جمادات لا يصح تكليفها أقوال:

احدها - ان المراد عرضنا على اهل السموات واهل الارض واهل الجبال.

وثانيها - ان المعني في ذلك تفخيم شأن الأمانة وتعظيم حقها، وأن من عظم منزلتها انها لو عرضت على الجبال والسموات والأرض مع عظمها، وكانت تعلم بأمرها لأشفقت منها، غير انه خرج مخرج الواقع لانه ابلغ من المقدر،

وقوله { فأبين أن يحملنها } أي منعن ان يحملن الأمانة { وأشفقن منها } أي خفن من حملها { وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً } أي ظلوماً لنفسه بارتكاب المعاصي، جهولا بموضع الامانة واستحقاق العقاب على ارتكاب المعاصي وقال ابن عباس: معنى الأمانة الطاعة لله، وقيل لها أمانة لأن العبد اؤتمن عليها بالتمكين منها ومن تركها. وقال تعالىليبلوكم أيكم أحسن عملاً } فرغب في الأحسن، وزهد في تركه. وقيل: من الأمانة ان المرأة اؤتمنت على فرجها والرجل على فرجه ان يحفظاهما من الفاحشة. وقيل: الامانة ما خلق الله تعالى في هذه الاشياء من الدلائل على ربوبيته وظهور ذلك منها، كأنهم أظهروها والانسان جحد ذلك وكفر به. وفائدة هذا العرض إظهار ما يجب من حفظها وعظم المعصية في تضييعها.

السابقالتالي
2 3