الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ يَقُولُونَ يٰلَيْتَنَآ أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولاَ } * { وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ } * { رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً }

قرأ ابن عامر ويعقوب { ساداتنا } بألف بعد الدال. الباقون بغير الف على جمع التكسير، والأول على جمع الجمع، وقرأ عاصم وابن عامر - في رواية الداحوني عن هشام { لعناً كبيراً } بالباء. بالباقون بالثاء.

العامل في قوله { يوم تقلب } قوله { وأعد لهم سعيراً... يوم تقلب وجوههم } فالتقليب تصريف الشيء في الجهات، ومثله التنقيل من جهة إلى جهة فهؤلاء تقلب وجوههم في النار، لانه ابلغ في ما يصل اليهم من العذاب. وقوله { يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا } حكاية ما يقول هؤلاء الكفار الذين تقلب وجوههم في النار، فانهم يقولون متمنين: يا ليتنا كنا اطعنا الله في ما امرنا به ونهانا عنه، ويا ليتنا أطعنا الرسول في ما دعانا اليه. وحكى ايضاً انهم يقولون يا { ربنا إنا أطعنا } في ما فعلنا { سادتنا وكبراءنا } والسادة جمع سيد، وهو الملك المعظم الذي يملك تدبير السواد الاعظم، ويقال للجمع الاكثر السواد الأعظم يراد به السواد المنافي لشدة البياض والضياء الأعظم { فأضلونا السبيلا } يعني هؤلاء الرؤساء اضلونا عن سبيل الحق.

وقيل الآية نزلت في الاثنى عشر الذين أطعموا الكفار يوم بدر من قريش. ثم حكى انهم يقولون { ربنا آتهم ضعفين من العذاب } لضلالهم في نفوسهم وإضلالهم إيانا. وقيل معناه عذاب الدنيا والآخرة { والعنهم لعناً كثيراً } أي مرة بعد اخرى. ومن قرأ بالباء اراد اللعن الذي هو اكبر من لعن الفاسق، لان لعنة الكافر أعظم.

ثم خاطب تعالى المؤمنين فقال { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى } أي لا تؤذوا نبيكم مثل ما اوذي موسى يعني آذاه قومه بعيب اضافوه اليه لم يقم حجة بتعييبه. وقيل: إن الآية نزلت في المنافقين عابوا النبي محمد صلى الله عليه وآله باصطفائه صفيه بنت حي، فنهاهم الله عن ذلك. واختلف المفسرون في العيب الذي اضافه قوم موسى اليه. فقال قوم: انهم آذوا موسى بأن اشاعوا أن هارون قتله موسى فأحياه الله - عز وجل - حتى أخبرهم ان موسى لم يقتله وأن الله تعالى هو الذي اماته عند انقضاء أجله، وهو معنى قوله { فبرأه الله مما قالوا } وقيل: انهم قالوا: إنه ابرص. وقيل: انهم اضافوه إلى انه ادر الخصيتين، فبرأه الله من ذلك، واجاز البلخي حديث الصخرة التي ترك موسى ثيابه عليها على ان يكون ذلك معجزاً له. وقال قوم: ذلك لا يجوز لأن فيه اشتهار النبي وابداء سوأته على رؤس الأشهاد. وذلك ينفر عنه، فبرأه الله من ذلك.

وقوله { وكان عند الله وجيهاً } أي عظيم القدر، رفيع المنزلة إذا سأل الله تعالى شيئاً أعطاه. وأثبت الألف في قوله { الرسولا.... والسبيلا } لأجل الفواصل في رؤس الآي تشبيهاً بالقوافي.