الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } * { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } * { وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْـمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً } * { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

قرأ حمزة والكسائي { ومن يقنت منكن لله ورسوله ويعمل صالحاً } بالياء فيهما على اللفظ، لأن لفظة (من) مذكر. الباقون { ومن يقنت } - بالياء - حملا على اللفظ { وتعمل } بالتاء حملا على المعنى، لأن المعنى من النساء، فكنى بلفظ التأنيث، ولأنه قد ظهر علامة التانيث في قوله { منكن } فكأن الرد عليه أولى من ردّه على اللفظ. وروي في الشواذ { ومن تقنت } بالتاء حملا على المعنى وذلك جائز في العربية غير انه ليس بمعروف، ولا يقرأ به. وقرأ عاصم ونافع { وقرن } بفتح القاف بمعنى أقررن { في بيوتكن } من قررت في المكان أقر قراراً إلا انه نقل حركة العين إلى القاف، فانفتحت وسقطت الراء الأولى لالتقاء الساكنين كقولهم: في ظللت ظلت. وفي أحسست احست، وقالوا في يحططن من الجبل يحطن. وقال الزجاج: فيه لغتان (قررت في المكان واقررت). الباقون بكسر القاف بمعنى كن أهل وقر، أي هدوء وسكينة من وقر فلان في منزله يقر وقوراً إذا هدأ فيه واطمأن. ويجوز أن يكون المراد الاستقرار، على لغة حكاها الزجاج والكسائي.

لما تهدد الله تعالى نساء النبي صلى الله عليه وآله بأن من يأت منهن بفاحشة ظاهرة من ارتكاب محظور، وما نهى الله تعالى عنه انه يضاعف لها العذاب ضعفين لوقوع أفعالهن على وجه يستحق به ذلك من حيث كن سواء اسوة يتأسى بهن غيرهن ورغبهن في هذه الآية بأن قال { ومن يقنت منكن } أي من داوم منكن على الطاعة لله ورسوله { وتعمل } مع ذلك الافعال { صالحاً نؤتها } اي يعطيها الله { أجرها مرتين } كما لو عصت عاقبها ضعفين. والقنوت المداومة على العمل فمن داوم على العمل لله فهو مطيع. ومنه القنوت في صلاة الوتر، وهو المداومة على الدعاء المعروف. والعمل الصالح هو المستقيم الذي يحسن أن يحمد عليه ويستحق به الثواب. والاجر الجزاء على العمل، وهو الثواب، آجره يآجره اجراً والأجر مرتين ليس يجب بالوعد بل إنما هو مستحق، لأن أفعالهن تقع على وجه يستحق مثلي ما لو استحق الغير، لانه في مقابلة العذاب ضعفين، ولا يجوز أن يضاعف ضعفين إلا مستحقاً، وكذلك الثواب المقابل له.

وقوله { وأعتدنا لها رزقاً كريماً } معنى اعتدنا اعددنا، وابدل من احدى الدالين تاء. والرزق الكريم هو الثواب الذي لا يحسن الابتداء بمثله.

ثم قال { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء } انما قال كأحد، ولم يقل كواحدة لان احداً نفي عام للمذكر والمؤنث والواحد والجماعة أي لا يشبهكن احد من النساء في جلالة القدر وعظم المنزلة ولمكانكن من رسول الله صلى الله عليه وآله بشرط أن تتقين عقاب الله باجتناب معاصيه، وامتثال أوامره.

السابقالتالي
2 3 4