الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قَاتَلُوۤاْ إِلاَّ قَلِيلاً }

لما اخبر الله تعالى عن المنافقين الذين استأذنوا النبي صلى الله عليه وآله في الرجوع واعتلوا بأن بيوتهم يخاف عليها، وكذبهم الله في ذلك، وبين أنهم يريدون الهرب، قال لنبيه صلى الله عليه وآله { قل } لهم { لن ينفعكم الفرار إن فررتم } يعني الهرب إن هربتم { من الموت أو القتل } فانه لابد من واحد منهما، وإن هربتم وبقيتم بعده فلا تبقون { ولا تتمتعون إلا قليلاً } من الزمان. ثم لا بد من الموت. والفرار الذهاب عن الشيء خوفاً منه، ومثله الهرب، فرّ يفر فراراً وأفتر إذا باعد بين شفتيه كتباعد الفار، وانما فرق الله بين الموت والقتل لأن القتل غير الموت، فالقتل نقض بينة الحي، والموت ضد الحياة عند من أثبته معنى، والقتل يقدر عليه غير الله، وانما رفع بعد (اذن) لوقوع (اذن) بين الواو والفعل، فصارت بمنزلة ما لم يقع بعده الفعل، كقولك أنا آتيك اذن لانه مما يجوز فيه الالغاء بأنه يصح الاستدراك، كالاستدراك بالظن، وقد اعملت بعد (ان) في قوله:
لا تتركني فيهم شطيراً   إني اذن أهلك او اطيرا
ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله قل لهم يا محمد من الذي يمنعكم من الله ان اراد أن يفعل بكم سوءاً يعني عذاباً أو اراد بكم رحمة، فان احداً لا يقدر على منعه مما يريد الله فعله به { ولا يجدون } هؤلاء { لهم من دون الله ولياً } ينصرهم { ولا نصيراً } يدفع عنهم، ثم قال تعالى { قد يعلم الله المعوقين منكم } يعني الذين يعوقون غيرهم عن القتال ويثبطونهم عنه، فالتعويق التثبيط والشغل للقعود عن أمر من الأمور، فكأن هؤلاء يدعون اخوانهم من المنافقين إلى القعود عن الجهاد ويشغلونهم لينصرفوا عنه { والقائلين لإخوانهم هلموا إلينا } أي يعلم القائلين لهم تعالوا { ولا يأتون البأس } يعني الحرب { إلا قليلاً } أي ان يكلفوا الحضور إلى القتال فلا يحضرون إلا قدر ما يوهمون أنهم معكم، ولا يقاتلون معكم، فهو تعالى عالم بأحوال هؤلاء، لا يخفى عليه شيء منها.

ثم قال { أشحة عليكم } بالغنيمة والنفقة في سبيل الله - في قول قتادة: ومجاهد - ونصبه على تقدير يأتونه أشحة وإن شئت على الذم. وقال ابن اسحاق { أشحة عليكم } بالضغن الذي في أنفسهم، فهو نصب على الحال - في قول الزجاج - وفي قول غيره على المصدر، وتقديره يشحون عليكم اشحة { فإذا جاء الخوف } يعني الفزع { رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت } يعني من شدة ما يخافون يلحقهم مثل ما يلحق من شارف الموت وأحواله، ويغشى عليه { فإذا ذهب الخوف } والفزع { سلقوكم بألسنة حداد } أي خصموكم طلباً للغنيمة أشد مخاصمة.

السابقالتالي
2