الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } * { ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ } * { ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } * { ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } * { وَقَالُوۤاْ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ }

خمس آيات عراقي لم يعدوا { جديد } آية. وست في ما عداه، لأنهم عدوا { جديد } آية.

قرأ ابن كثير، وابو عمرو، وابن عامر { أحسن كل شيء خلقه } باسكان اللام. الباقون بفتحها. من سكن اللام فعلى تقدير: الذي أحسن خلق كل شيء اي جعلهم يحسنونه والمعنى انه ألهمهم جميع ما يحتاجون اليه. قال الزجاج: ويجوز ان يكون على البدل، والمعنى: احسن كل شيء. ويجوز أن يكون على المصدر وتقديره الذي خلق كل شيء خلقه. ومن فتح اللام جعله فعلا ماضياً، ومعناه احسن الله كل شئ خلقه على إرادته ومشيئته، وأحسن الانسان وخلقه في احسن صورة. وقيل: معناه إن وجه الحكمة قائم في جميع أفعاله، ووجوه القبح منتفية منها، ووجه الدلالة قائم فيها على صانعها، وكونه عالماً. والضمير في قوله { خلقه } كناية عن اسم الله.

لما اخبر الله تعالى انه الذي خلق السموات والارض وما بينهما في ستة أيام واستولى على العرش، وانه الذي يدبر الأمور ما بين السموات والارض بين - ها هنا - ان الذي يفعل ذلك ويقدر عليه هو { عالم الغيب والشهادة } أي يعلم السر والعلانية { العزيز } في انتقامه من أعدائه { الرحيم } بعباده، المنعم عليهم، و { الغيب } خفاء الشيء عن الادراك. والشهادة ظهوره للادراك فكأنه قال: يعلم ما يصح أن يشاهد، وما لا يصح أن يشاهد فيدخل في ذلك المعدوم والحياة والموت والقدرة وجميع ما لا يصح عليه الرؤية. والعزيز: هو القادر على منع غيره ولا يقدر الغير على منعه، وأصله المنع من قولهم: من عز بزّ، من غلب سلب، لأن من غلب أسيره فمنعه أخذ سلبه.

ثم قال الذي احسن كل شيء خلقه، ومعنى ذلك في جميع ما خلقه الله تعالى وأوجده فيه وجه من وجوه الحكمة، وليس فيه وجه من وجوه القبح. وذلك يدل على ان الكفر والضلال وسائر القبائح ليست من خلقه. ولفظة (كل) وإن كانت شاملة للاشياء كلها، فالمراد به الخصوص - ها هنا - لأنه أراد ما خلقه الله تعالى من مقدوراته دون مقدور غيره، ونصب قوله { خلقه } بالبدل من قوله { كل شيء } كما قال الشاعر:
وظعني اليك الليل حضنيه انني   لتلك إذا هاب الهداي فعول
وتقديره وظعني حضني الليل اليك. وقال الآخر:
كأن هنداً ثناياها وبهجتها   يوم التقينا على ادحال دباب
والمعنى كأن ثنايا هندو بهجة هند. وقوله { وبدأ خلق الإنسان من طين } أي ابتدأ خلق الانسان من طين، يريد انه خلق آدم الذي هو أول الخلق من طين، لأن الله تعالى خلق آدم من تراب، فقلبه طيناً، ثم قلب الطين حيواناً، وكذلك قالإن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون }

السابقالتالي
2