الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } * { أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ }

قرأ { أخفي } باسكان الياء حمزة ويعقوب. الباقون - بفتح الياء - من سكن الياء جعله فعلا مستقبلا وحجته قراءة عبد الله { ما تخفي لهم } ومن فتح جعله فعلا ماضياً على ما لم يسم فاعله، فعلى قراءة حمزة (ما) نصب مفعول به، وعلى ما في القرآن إن موضع (ما) رفع بما لم يسم فاعله. والله فاعله و { قرة أعين } شيء أعده الله لعباده لم يطلعهم عليه في دنياهم، كما قال النبي صلى الله عليه وآله " هو ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " وصف الله تعالى المؤمنين الذين ذكرهم في الآية الأولى في هذه الآية بأن قال: وهم الذين لا يستنكفون عن عبادته { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } أي يرتفعون عن مواضعهم التي ينامون عليها فالتجافي تعاطي الارتفاع عن الشيء، ومثله النبو يقال جفا عنه يجفو جفاء إذا نبا عنه. وتجافى عنه يتجافى تجافياً، واستجفاه استجفاء والمضجع موضع الاضجاع، والاضطجاع هو القاء النفس { يدعون ربهم } أي داعين ربهم الذي خلقهم وأوجدهم { خوفاً } من عذابه يسألونه المغفرة { وطمعاً } في ثوابه. وانتصب { خوفاً، وطمعاً } على انه مفعول له أي للخوف وللطمع { ومما رزقناهم ينفقون } في طاعة الله وسبيل ثوابه. ووجه المدح بذلك أن هؤلاء المؤمنين يقطعهم اشتغالهم بالدعاء لله عن طيب المضطجع لما يأملون به من الخير والبركة من الله تعالى، لأن آمالهم مصروفة اليه، واتكالهم في أمورهم عليه، وقال الشاعر في التجافي:
وصاحبي ذات هباب دمشق   وابن ملاط متجاف ادفق
أي متنح عن كركرتها، وقال أنس وقتادة: انه مدح قوماً كانوا يتنفلون بين المغرب والعشاء. وقال الضحاك: انهم كانوا يذكرون الله بالدعاء والتعظيم وقال قتادة: { خوفاً } من عذاب الله { وطمعاً } في رحمة الله { ومما رزقناهم ينفقون } في طاعة الله. وقال ابو جعفر، وابو عبد الله عليهما السلام الآية متناولة لمن يقوم إلى صلاة الليل عن لذيذ مضجعه وقت السحر، وبه قال معاذ والحسن ومجاهد. وقال عبد الله بن رواحة في صفة النبي صلى الله عليه وآله:
يبيت يجافي جنبه عن فراشه   إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
ثم قال تعالى { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } تحتمل (ما) في قوله { ما أخفي } أن تكون بمعنى الذي ويكون موضعها النصب، ويحتمل أن تكون بمعنى (أن) ويكون موضعها الرفع، وتكون الجملة في موضع نصب، والمعنى ليس يعلم أحد كنه ما أعد الله لهؤلاء المؤمنين الذين تقدم وصفهم من انواع اللذات والاشياء التي تقرّ أعينهم بها على كنه معرفتها. وقولهم قرت عيناه أي فرحها الله. لأن المستبشر الضاحك يخرج من عينه ماء بارد من شؤونه.

السابقالتالي
2