حكى الله سبحانه عن الكفار وسوء اختيارهم أنه { إذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله } من القرآن والاحكام واعملوا بموجبه واقتدوا به { قالوا } في الجواب عن ذلك { بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا } من عبادة الأصنام، ولا نتبع ذلك، فقال الله تعالى منكراً عليهم { أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير } ومعناه إنكم تتبعون ما وجدتم عليه آباءكم، ولو كان ذلك يدعوكم إلى عذاب جهنم!. وادخل على واو العطف ألف الاستفهام على وجه الانكار. ثم قال { ومن يسلم وجهه إلى الله } أي يوجه طاعته إلى الله ويقصد وجهه بها دون الرياء والسمعة { وهو محسن } اي لا يخلط طاعاته بالمعاصي { فقد استمسك بالعروة الوثقى } أى من فعل ما وصفه فقد تعلق بالعروة الوثيقة التي لا يخشى انتقاضها، والتوثق امتناع سبب الانتقاض، لأن البناء الموثق قد جعل على امتناع سبب الانتقاض، وما ليس بموثق على سبب الانتقاض. ثم قال { وإلى الله عاقبة الأمور } أى اليه ترجع أواخر الأمور على وجه لا يكون لأحد التصرف فيها، ولا الأمر والنهي. ثم قال لنبيه { ومن كفر } يا محمد من هؤلاء الناس { فلا يحزنك كفره } اى لا يغمك ذلك { إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا } اى نعلمهم باعمالهم ونجازيهم على معاصيهم بالعقاب، { إن الله عليم بذات الصدور } أى بما تضمره الصدور، لا يخفى عليه شيء منها. ثم قال { نمتعهم قليلاً } اى نتركهم يتمتعون في هذه الدنيا مدة قليلة { ثم نضطرهم } أى نصيرهم مكرهين { إلى عذاب غليظ } يغلظ عليهم ويصعب وهو عذاب النار. ثم قال { ولئن سألتهم } يعني هؤلاء الذين كفروا بآيات الله { من خلق السماوات والأرض }؟ ليقولن في جواب ذلك: الله خلق ذلك، لانهم لا يمكنهم أن يقولوا خلق ذلك الاصنام والاوثان، لأنهم يقرون بالنشاة الأولى، ولأنهم لو قالوا ذلك لعلم ضرورة بطلان قولهم، فقل عند ذلك يا محمد { الحمد لله } على هدايته وتوفيقه لنا بالمعرفة له { بل أكثرهم لا يعلمون } انكم وفقكم الله لمعرفته.