الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } * { يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } * { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } * { وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ } * { أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ }

قرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر { ولا تصعر } بغير ألف في التصعير. الباقون { تصاعر } بألف. وقرأ اهل المدينة { مثقال حبة } رفعاً. الباقون نصباً من رفعه جعل (كان) بمعنى حدث، ووقع، ولم يجعل لها خبراً. ومن نصب فعلى أنه خبر (كان) والاسم مضمر فيها أي إن تك الحبة مثقال. وقرأ نافع وأبو جعفر وابن كثير وابو عمرو وحفص عن عاصم { نعمه } على لفظ الجمع. الباقون { نعمة } على التوحيد.

يقول الله تعالى مخبراً عن لقمان ووصيته لابنه، وأنه قال { يا بني أنها إن تك مثقال حبة من خردل } من خير أو شر { فتكن } عطف على الشرط فلذلك جزمه. وتقديره: إن تلك الحبة لو كانت في جوف صخرة، وهي الحجر العظيم او تكون في السموات او الأرض { يأت بها الله } ويحاسب عليها ويجازي لأنه لا يخفى عليه شيء منها، ولا يتعذر عليه الاتيان بها أي موضع كانت، لأنه قادر لنفسه لا يعجزه شيء عالم لنفسه لا تخفى عليه خافية.

وقوله { يأت بها الله } معناه إنه يجازي بها ويواقف عليها فكأنه أتى بها وإن كانت أفعال العباد لا يصح إعادتها، ولو صح اعادتها لما كانت مقدورة لله. وإنما أراد ما قلناه، وفي ذلك غاية التهديد والحث على الأخذ بالحزم. والهاء في قوله { إنها } قيل: انها عماد وهو الضمير على شريطة التفسير. وقيل: { إنها } كناية عن الخطيئة او الفعلة التي تقتضي الجزاء، وهي المضمرة في تلك وانما أنث مثقال، لأنه مضاف إلى مؤنث وهي الحبة، كما قيل: ذهبت بعض اصابعه. وكما قيل:
[ وتشرق بالقول الذي قد اذعته]   كما شرقت صدر القناة من الدم
والصخرة وإن كانت في الأرض أو في السماء، فذكر السموات والارض بعدها مبالغة كقولهاقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق } وقد قال بعض المفسرين: ان الصخرة خارجة عن السموات والارض، وهو ايضاً جائز. وقرأ قتادة { فتكن في صخرة } بكسر الكاف مخففاً من (وكن يكن) أي جعل الصخرة كالوكنة. وهو عش الطائر. ذكره ابن خالويه. وحكاه عن ابن مجاهد سماعاً، واستحسنه.

وقوله { إن الله لطيف خبير } قال قتادة: معناه - ها هنا - لطيف باستخراجها، خبير بمستقرها. واللطيف القادر الذي لا يحفو عن عمل شيء، لأن من القادرين من يحفو عن عمل اشياء كثيرة كاخراج الجزء الذي لا يتجزأ وتأليفه إلى مثله، فهو فان كان قادراً عليه، فهو ممتنع منه، لانه يحفو عن عمل مثله. والخبير العالم وفيه مبالغة في الصفة، مشتق من الخبر. ولم يزل الله خبيراً عالماً بوجوه ما يصح أن يخبر به، والمثقال مقدار يساوي غيره في الوزن، فمقدار الحبة مقدار حبة في الوزن.

السابقالتالي
2