الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ ٱلظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } * { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } * { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } * { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

هذا اشارة إلى ما تقدم ذكره من خلق السموات والارض على ما هي به من عظمها وكبر شأنها من غير عمد يمنع من انحدارها، وألقى الرواسي في الارض لئلا تميد بأهلها { وبث فيها من كل دابة } للاعتبار والانتفاع بها، وأنزل من السماء ماء لاخراج كل نوع كريم على ما فيه من بهجة ولذة يستمتع بها. فهذا كله خلق الله فأين خلق من اشركتموه في عبادته حتى جاز لكم أن تعبدوه من دونه وهذا لا يمكن معه معارضة، وفيه دليل على توحيده تعالى.

ثم اخبر تعالى فقال { بل الظالمون } لانفسهم بترك الاعتبار بآيات الله { في ضلال مبين } أي عدول عن الحق بين ظاهر وما دعاهم إلى عبادتها انها تخلق شيئاً ولكن ضلالهم بالجهل الذي اعتقدوه من التقرب بذلك إلى الله وانها تقربهم إلى الله زلفى.

ثم اخبر تعالى انه اعطى لقمان الحكمة، فقال ابن عباس ومجاهد وقتادة: لم يكن لقمان نبياً. وقال عكرمة: كان نبياً. وقيل: انه كان عبداً أسوداً حبشياً ذا سفة. فقال له بعض الناس: ألست الذي كنت ترعى معنا؟ فقال: نعم. فقال له: من اين أوتيت ما أرى؟ فقال: بصدق الحديث والصمت عما لا يعنيني. والحكمة التي آتى الله لقمان هو معرفته بتوحيده، ونفي الشرك عنه. وما فسرناه في ما بعد وهو ان أمره بأن يشكر لله على نعمه التي أنعم بها عليه.

ثم اخبر تعالى فقال { ومن يشكر فانما يشكر لنفسه } أي من يشكر نعمة الله ونعمة من أنعم عليه، فانه يشكر لنفسه، لأن ثواب شكره عائد عليه { ومن كفر فإن الله غني حميد } أي من جحد نعمة الله، فانه تعالى غني عن شكره حميد على أفعاله، وعقاب ذلك عائد على الكفار دون غيرهم، والشكر لا يكون إلا على نعمة سبقت، فهو يقتضي منعما، فلا يصح على ذلك أن يشكر الانسان نفسه، لأنه لا يجوز أن يكون منعماً عليها، وهو جرى مجرى الدين في أنه حق لغيره عليه يلزمه أداؤه، فكما لا يصح أن يقرض نفسه فيجب أن يقضي ذلك الدين لنفسه، فكذلك لا يصح أن ينعم على نفسه فيلزمه شكر تلك النعمة.

ثم قال تعالى وأذكر يا محمد { إذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم } إذ قال له لا تعبد مع الله غيره فان من فعل ذلك فقد ظلم نفسه ظلماً عظيماً. ويجوز أن يتعلق قوله { وإذ قال لقمان } بقوله { ولقد آتينا لقمان الحكمة... إذ قال لابنه... لا تشرك بالله } ثم قال تعالى { ووصينا الإنسان بوالديه } أي وصيناه وأمرناه بالاحسان إلى والديه.

السابقالتالي
2