الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } * { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } * { وَمَآ أَنتَ بِهَادِ ٱلْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُّسْلِمُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ } * { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ }

ست آيات مدني وخمس في ما عداه عد المدني { يقسم المجرمون } ولم يعده الباقون.

قرأ ابن كثير { ولا تسمع } بفتح التاء { الصم } رفعاً الباقون - بضم التاء - { الصم } نصباً. وهذا مثل ضربه الله للكفار، والمعنى كما إنك يا محمد لا تسمع الميت لتعذر استماعه فكذلك لا تسمع الكفار. والمعنى انه لا ينتفع بسماعه، لانه لا يعمل به، فاذا كان كذلك فالمعنيان متقاربان، لان المعنى إنك لا تسمع الكافر ما في القرآن من حكمة وموعظة، كما لا تسمع الاصم المدبر عنك. وضم التاء ونصب الميم أحسن لتشاكل ما قبله من اسناد الفعل اليك أيها المخاطب وحكم المعطوف يجب ان يكون مشاكلاً حكم المعطوف عليه. وقرأ عاصم وحمزة { من ضعف } بفتح الضاد في الثلاثة. الباقون بالضم فيهن، وهما لغتان.

يقول الله سبحانه { ولئن أرسلنا ريحاً } مؤذنة بالهلاك { فرأوه مصفراً } فالهاء يجوز أن يكون كناية عن السحاب، وتقديره فرأوا السحاب مصفراً لأنه إذا كان كذلك كان غير ممطر، ويحتمل أن يكون راجعاً إلى الزرع، وتقديره، فرأوا الزرع مصفراً - والثاني قول الحسن - وجواب لئن في الشرط أغنى عنه جواب القسم، لأن المعنى ليظلن كما أن { أرسلنا } بمعنى أن يرسل فجواب القسم قد ناب عن الأمرين. وكان أحق بالحكم لتقدمه على الشرط ولو تقدم الشرط لكان الجواب له، كقولك: ان أرسلنا ريحاً ظلوا والله يكفرون. و (الاصفرار) لون بين الحمرة والبياض، وهو من النبات الذي يصفر بالربح للجفاف ويحول عن حال الأخضرار، فيصير إلى الهلاك ويقنط صاحبه الجاهل بتدبير ربه في ما يأخذ به من الشدة بأمره تارة والرخاء أخرى ليصح التكليف بطريق الترغيب والترهيب، ومعنى (ظل يفعل) أي جعل يفعل في صدر النهار، وهو الوقت الذي فيه إلى ظل الشمس. و (أضحى يفعل) نظير ظل يفعل إلا أنه كثر حتى صار بمنزلة (جعل يفعل).

ثم قال لنبيه { إنك } يا محمد { لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين } شبه الكفار في ترك تدبرهم لما يدعوهم اليه النبي صلى الله عليه وآله تارة بالأموات وتارة بالصم، لأنهم لا ينتفعون بدعاء داع، لانهم لا يسمعونه، وكذلك من يسمع ولا يصغى ولا يفكر فيه، ولا يتدبره فكأنه لم يسمعه.

وقوله { إذا ولوا مدبرين } معناه إذا أعرضوا عن أدلتنا وعن الحق ذاهبين إلى الضلال غير طالبين لسبيل الرشاد. ولذلك لزمهم الذم وصفة النقص.

وقوله { وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم } معناه ليس في هؤلاء حيلة أن يقبلوا الهداية فصار العمي بالضلال صنفين احدهما - يطلب الهداية فهو يجدها عندك. والآخر لا يطلب الهداية، فليس فيه حيلة.

السابقالتالي
2