الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ } * { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ ٱلْقِيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } * { مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } * { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ }

قرأ ابن كثير - في رواية ابن مجاهد - عن قنبل وروح { لنذيقهم } بالنون. الباقون بالياء. فمن قرأ بالنون فعلى وجه اخبار الله عن نفسه أنه الذي يذيقهم. ومن قرأ بالياء فالمعنى ليذيقهم الله بعض الذي عملوا.

يقول الله تعالى { ظهر الفساد في البر والبحر } قيل: فساد البر هو ما يحصل فيها من المخاوف المانعة من سلوكه، ويكون بخذلان الله عز وجل لاهل العقاب به، وفساد البحر اضطراب أمره حتى لا يكون متصرفاً فيه، وكل ذلك ليرتدعوا عن معاصيه. وقال قتادة: المعنى ظهر الفساد في أهل البر والبحر فأهل البر أهل البادية وأهل البحر أهل القرى الذين على الانهار العظيمة ويكون قوله { بما كسبت أيدي الناس } معناه يخلي الله بينهم وبين المعاصي جزاء على ما سبق منهم من المعاصي. وقال مجاهد: البر ظهر الأرض والبحر هو البحر المعروف، لأنه يؤخذ فيه كل سفينة غصباً. وقيل: البر الأرض القفر والبحر المجرى الواسع للماء عذباً كان أو ملحاً، وسمي البر براً، لانه يبر بصلاح المقام فيه خلاف البحر، ومنه البر لأنه يبرّ بصلاحه في الغذاء أتم الصلاح. وقيل: الفساد المعاصي ودليله قوله تعالىوالله لا يحب الفساد } والتقدير. ظهر عقاب الفساد في البر والبحر، والظهور خروج الشيء إلى حيث يقع عليه الاحساس والعلم به بمنزلة الادراك له. وقد يظهر الشيء بخروجه عن وعاء أو وجوده عن عدم أو ظهوره بدليل. وقيل: بالعدل ينبت الله الزرع ويدر الضرع، وبالظلم يكون القحط وضيق الرزق. وقوله { بما كسبت أيدي الناس } أي جزاء على ما فعله الناس. والكسب فعل الشيء لاجتلاب نفع إلى نفس الفاعل أو دفع ضرر عنه، فالقادر لنفسه يقدر على مثله في الحالتين لاجتلاب نفع إلى غيره أو دفع ضرر عنه، غير انه لا يوصف بهذه الصفة وإن قدر على مثله. وقوله { ليذيقهم بعض الذي عملوا } معناه ليصيبهم الله بعقوبة بعض أعمالهم التي عملوها من المعاصي { لعلهم يرجعون } أي ليرجعوا عنها في المستقبل، وتقديره فعل الله تعالى القحط والشدائد والجدب وقلة الثمار وهلاك النفوس عقوبة على معاصيهم ليذيقهم بذلك عقاب بعض ما عملوا من المعاصي ليرجعوا عنها في المستقبل، ليذيقهم عقابه غير انه اجري على بعض العمل لانهم بذواقهم جزاءه كأنهم ذاقوه. وهذا من الحذف الحسن، لأنه حذف المسبب وإقامة السبب الذي أدى اليه مقامه.

ثم بين تعالى انه فعل بهم هذا ليرجعوا عن معاصيه إلى طاعته.

ثم خاطب تعالى نبيه صلى الله عليه وآله فقال له { قل } لهم يا محمد { سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان اكثرهم مشركين } أي فكروا فيمن تقدم من الامم التي اشركت بالله أكثرهم، والمؤمنون كانوا قليلين فيهم كيف أهلكهم الله ودمر عليهم.

السابقالتالي
2