الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

قرأ نافع وابو جعفر { لتربوا } بالتاء وسكون الواو، الباقون بالياء وفتح الواو، وقرأ ابن كثير { وما أتيتم من ربا } بالقصر. الباقون بالمد. واتفقوا على المد في قوله { وما آتيتم من زكاة } وقرأ حمزة والكسائي وخلف { عما يشركون } بالياء. الباقون بالتاء. قال ابو علي: المعنى وما آتيتم من هدية أهديتموها لتعوضوا اكثر منها، فلا يربو عند الله، لأنكم قصدتم زيادة العوض دون وجه الله، وهو كقولهولا تمنن تستكثر } فمن مدّ اراد أعطيتم من قولهفآتاهم الله ثواب الدنيا } ومن قصره فالمعنى يؤل إلى قول من مد إلا انه على لفظ (فعلتم) ومدهم لقوله { وما آتيتم من زكاة } فلقولهوإيتاء الزكاة } ولو قال أتيت الزكوة لجاز أن يعني به: فعلتها ولكن لفظ القرآن على الايتاء. ومن ضم { لتربوا } فالمعنى لتصيروا ذوي زيادة في ما آتيتم من أموال الناس أي يستدعونها من أربى إذا صار ذا زيادة مثل أقطف واضرب. ومن فتح أسند الفعل إلى الربوا المذكور وقدر المضاف، فحذفه كما قيل: اجتذاب أموال الناس واجتلابه. ويجوز ذلك. وسمي هذا المدفوع على هذا الوجه ربا لما كان فيه من الاستزادة.

يقول الله تعالى مخبراً عن خلقه بأنه إذا أذاقهم رحمة من عنده بأن ينعم عليهم بضروب النعم ويصح أجسامهم ويدرّ أرزاقهم ويكثر مواشيهم وغير ذلك من النعم، إنهم يفرحون بذلك ويسرون به فـ { إذا } شرط وجوابه { فرحوا بها } وإنما جاء الجزاء بـ { إذا } ولم يجيء بـ (حين)، لأن { إذا } اشبه بالفاء من جهة البناء، والزم للفعل من جهة أنه لا يضاف إلى مفرد، فصار بمنزلة الفاء في ترتيب الفعل، وليس كذلك (حين). وشبه إدراك الرحمة بادراك الطعم، فسماه ذوقاً. { وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم } هو اخبار منه تعالى أنه إن أصابهم عذاب من الله تعالى جزاء على ما كسبته أيديهم { إذا هم يقنطون } أي ييأسون من رحمة الله، والقنوط اليأس من الفرج، قال جهد الأرقط:
قد وجدوا الحجاج غير قانط   
وإنما قال { بما قدمت أيديهم } ولم يقل بما قدموا على التغليب للاكثر الأظهر، لان اكثر العمل وأظهره لليدين، والعمل بالقلب وإن كان كثيراً فهو أخفى، وانما يغلب الأظهر. ويجوز أن يكون ما يصيبهم - من مصائب الدنيا والآلام بها - بعض العقاب، فلذلك قال { بما قدمت أيديهم } ويجوز ان يكون لما فعلوا المعاصي اقتضت المصلحة أن يفعل بهم ذلك، وإن لم يكن عذاباً.

ثم قال تعالى منبهاً لهم على توحيده { أولم يروا } أي او لم يفكروا فيعلموا { أن الله يبسط الرزق } اي يوسعه { لمن يشاء ويقدر } اي ويضيق على من يشاء على حسب ما تقتضيه مصالحهم، وبسط الرزق الزيادة على مقدار القوت منه بما يظهر حاله، واصل البسط نشر الشيء بما يظهر به طوله وعرضه، وبسط الرزق مشبه به.

السابقالتالي
2 3