الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

يقول الله تعالى بعد أن ذكر ما يدل على توحيده، وإخلاص العبادة له أن { له من في السماوات والأرض } من العقلاء فانه يملكهم ويملك التصرف فيهم، وليس لاحد منعه منه والاعتراض عليه، وخص العقلاء بذلك لأن ما عداهم في حكم التبع.

ثم اخبر عن جميع من في السموات والارض بأنهم قانتون له. قال مجاهد: معناه مطيعون وقال ابن عباس: معناه مصلون. وقال عكرمة: مقرون له بالعبودية. وقال الحسن: كل له قائم بالشهادة فالقانت الدائم على أمر واحد فالملائكة وغيرهم من المؤمنين دائمون على أمر واحد في الذلة لله في لزوم الطاعة لله تعالى، والكافرون وغيرهم من الفساق دائمون على أمر واحد في الذلة لله - عز وجل - إلا أن منهم من هو بخلقته وفعله، ومنهم من هو بخلقته.

ثم قال تعالى { وهو الذي يبدؤ الخلق } اي يخترعهم ابتداء وينشئهم { ثم يعيده } إذا أعدمه { وهو أهون عليه } قال ابن عباس وقتادة ومجاهد: اي هو ايسر، وكل هين. وروي عن ابن عباس ايضاً: ان معناه وهو هين عليه، فـ (افعل) بمعنى (فاعل) وقال بعضهم { وهو أهون } على الخلق، لأن الانشاء أولا من نطفة إلى علقة ومن علقة إلى مضغة على التدريج، وفي الاعادة يعادون دفعة واحدة، وحكي عن ابن عباس: انه قال المعنى وهو أهون عليه عندكم، لأنكم أقررتم بأنه يبدؤ الخلق، فاعادة الشيء عند المخلوقين أهون من ابتدائه، قال الشاعر - في أهون بمعنى هين:
تمنى رجال أن أموت وان أمت   فتلك سبيل لست فيها باوحد
أي بواحد. وقال الراجز:
قبحتموا يا آل زيد نفرا   الام قوم أصغراً واكبرا
أي صغيراً وكبيراً، وقال معن بن أوس:
لعمرك ما ادري واني لاوجل   على أينا تعدو المنية أول
أي لواجل. والله أكبر بمعنى تكبير. ويقال للسلطان: الأعظم بمعنى عظيم.

وقوله { وله المثل الأعلى في السماوات والأرض } قال قتادة وهو قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لأنه دائم في السموات والارض، يقول الثاني فيه كما قال الأول. وقيل: المعنى وله الصفة العليا، لأنها دائرة يصفه بها الثاني كما يصفه بها الأول. وقيل: النشأة الثانية يا أهل الكفر ينبغى أن تكون أهون عليه. ثم قال { وله المثل الأعلى } فذلك دليل على انه مثل ضربه الله. ذكره الفراء.

وقوله { وهو العزيز الحكيم } يعني في انتقامه من اعدائه، الحكيم في تدبيره لخلقه. ثم قال { ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء } المعنى إنكم إذا لم ترضوا في عبيدكم أن يكونوا شركاء لكم في أموالكم وأملاككم، فكيف ترضون لربكم ان يكون له شركاء في العبادة!!.

السابقالتالي
2